الأردن وشفافية “الشفافية”/ فهد الخيطان

تحسّن ترتيب الأردن على مؤشر مدركات الفساد، حسب تقرير لمنظمة الشفافية الدولية. وأظهرالتقرير أنه تخطى حاجز الخمسين؛ إذ حصل على علامة 53 عالميا، ليحل بالمرتبة 45 ضمن قائمة تضم 168 بلدا. وعربيا، حل الأردن في المرتبة الثالثة من بين 19 دولة عربية شملتها الدراسة.

التحسن طفيف ولا يرضي الطموح. لكن أن تتقدم إلى الأمام خطوة صغيرة، أفضل ألف مرة من أن تتراجع أو تراوح في نفس المكان. الدول التي سبقتنا في الترتيب لها باع طويل في الديمقراطية وسلطة القانون، وتنتمي في معظمها للمنظومة الغربية التي كرّست تقاليد لم تبلغها بعد دول العالم النامي.

ولو راجعنا مؤشرات القياس، لوجدنا أن هناك فرصة كبيرة لتحسين ترتيب الأردن في السنوات المقبلة، بالقليل من العمل في مجالات تخص تطبيق القانون بعدالة، ومحاربة بعض الظواهر الشاذة في ممارسات الإدارة الحكومية، إضافة إلى الشق المتعلق بتعزيز الحوكمة، ونبذ الواسطة.

ما يلفت النظر حقا في النتائج، هو حلول الأردن في المرتبة الثالثة عربيا. مرتبة متقدمة من دون شك، لكن عند النظر إلى الدولتين العربيتين اللتين سبقتا الأردن في الترتيب، يحار المرء في تفسير النتيجة، نظرا للفروق الشاسعة في آليات الرقابة بين الأردن وهاتين الدولتين.

المقارنة بين الدول لا تكون بمعدلات الفساد فقط، وإنما في مدى توفر أدوات المساءلة والمحاسبة القضائية والإدارية، وحرية وسائل الإعلام في تناول قضايا الفساد، ووجود برلمان منتخب يملك حق محاسبة الحكومة وإقالتها إذا تطلب الأمر، وتحويل المتورطين في قضايا الفساد إلى القضاء.

لسنا راضين عما حققناه في هذا المجال؟ نعم، لكن بالمقارنة مع الدولتين اللتين سبقتانا عربياً في الترتيب فإن البون شاسع. فلا برلمانات منتخبة في هاتين الدولتين. وإن وجدت فهي مجرد هياكل شكلية استشارية، لا تستطيع محاسبة الحكومة على ممارساتها. ولا وسائل إعلام تتجرأ على التلميح بشبهة فساد على مسؤول رفيع.

قضايا الفساد وأخبارها في تلك الدول نطالعها في العادة في وسائل الإعلام الأجنبية، بينما في الأردن لا تترد وسائل الإعلام في نبش الملفات، وإعادة نشر ما يرد في وسائل إعلام عالمية مهما بلغت حساسية القضايا.

منذ أيام، تقدم أحد النواب بطلب لاستجواب رئيس الوزراء، في سابقة لم تحصل من قبل. ودار جدل كبير في أوساط المشرعين حول دستورية الطلب. هل يجرؤ عضو مجلس استشاري في تلك الدول على رفع رأسه بوجه رئيس الوزراء؟ هل تجرؤ صحيفة في إحدى تلك الدول على تناول سلوك المسؤولين كما تتناوله وسائل الإعلام في الأردن؛ الإلكترونية والورقية؟

مليارات تنفق في بعض الدول من دون حساب، ورشاوى بمئات الملايين تدفع في صفقات كبرى، لا يملك أحد حق السؤال عنها. صحف ومواقع تعلق عن الصدور وتغلق نهائيا، ولا يخرج من ينتقد أو يحتج.

لا اعتراض على ترتيب الأردن على قائمة الشفافية الدولية. لكن عند النظر لمن سبقنا في الترتيب من الدول العربية، يثور ألف سؤال حول شفافية “الشفافية”.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري