فايز الطراونة.. رجل المهمات الصعبة/ بقلم: هيثم حسّان

عروبة الإخباري- عند المحن تستجير الأوطان برجالها الأوفياء الخُلّص، وهم قلة، فيتقدمون بكل ثبات نحو المهمات الصعبة في المرحلة الحرجة والدقيقة.   

كان الدكتور فايز الطراونة من تلك الخامة النادرة من الرجال، الذين تتكيء عليهم الأوطان، وتستند إليهم البلاد في المنعطفات الحرجة، واللحظات التاريخية.

وكلما استجار الأردن بالطراونة لبى الأخير النداء، باعتباره واجبا لامفرّ من أدائه، فكان الرجل بحجم المهام المناطة به، وعلى قدر المسؤولية التي المسندة له، رغم الصعوبات والألغام التي قد تعترض الطريق، فكان الطراونة يمرّ بين حبات المطر، ولايبتل!.

فقد تولى الدكتور الطراونة، المولود عام 1949، رئاسة الحكومة الاردنية، للمرة الأولى، في شهر آب (اغسطس) 1998، في واحدة من أكثر الفترات السياسية الحرجة في تاريخ الأردن المعاصر، حين كان الملك الراحل الحسين يتلقى علاجه في مستشفى “مايو كلينك” بالولايات المتحدة الأميركية، وكان شاهدا حيّا على قرار الحسين بنقل ولاية العهد من شقيقه سمو الأمير الحسن إلى أكبر أبنائه سنا، وليتابع بعد ذلك الاجراءات الدستورية والقانونية لتنفيذ هذا القرار، ولينعي ملك البلاد في السابع من شباط(فبراير) 1999، وتعلن حكومته الحداد الرسمي، وليشرف على ترتيبات “جنازة العصر” لفقيد الأردن الكبير، ويستقبل باسم الاردن وفودا من شرق الكون وغربه جاءت لوداع الحسين، بعد ان كان رئيس الوزراء شاهدا كذلك في مجلس الامة على انتقال السلطات الدستورية للملك عبد الله الثاني.

وفي نيسان (أبريل) 2012 تولى الدكتور الطراونة الحكومة، للمرة الثانية، بعد استقالة الحكومة السابقة، التي أطلق عليها مراقبون بأنها حكومة مراهقة سياسية، تجاوزت مرحلة الفطام ولم تبلغ مرحلة النضج، فقدم رئيسها استقالته عبر الإيميل أو الفاكس بشكل مفاجيء من مكان إقامته في تركيا، في ظل شارع عربي وأردني يمور بالمتظاهرين والمحتجين، عندها استجار الوطن بإبنه البار الطراونة، ليعيد تصويب البوصلة، وقيادة دفة الحكومة بثقة وثبات، رغم تعالي الأمواج، فكان ربانا ماهرا، وقبطانا خبيرا برسو السفن والأوطان بأمان.

قصة الطراونة لا تشبه إلا قصته. فقد جاء من بيت سياسي عريق، فهو ابن السياسي أحمد باشا الطراونة أو حارس الدستور، الذي أمضى نصف قرن من عمره في المواقع القضائية والتشريعية والإدارية والسياسية المتقدمة، وقد تشرّب الإبن من أبيه السياسة منذ نعومة أظفاره فكان بيتهم موئلاً للسياسيين الأردنيين القدامى الذين عاصروا نشأة الدولة الأردنية من رموز الرعيل الأول، الأمر الذي اكسبه الخبرة والمعرفة.

وعن دراسته الجامعية قال الدكتور فايز الطراونة: “شعر والدي أن لديّ ميولاً للعمل السياسي تمثل ذلك بكثرة الأسئلة والاستماع للاجتماعات التي كانوا يعقدونها عندنا في البيت وأنا صغير في السن فشعر أن ميلي للعمل السياسي أكثر من أخي الأكبر هشام، فكان ينصحني وأنا في نهاية المدرسة أن أدرس القانون”.

وكانت المفارقة أن السياسي الأب لم يكن يرد لنجله أن يدخل عالم السياسة ودهاليزها؛ حيث رفض الأب عندما كان رئيسا للديوان الملكي أن يعين ابنه موظفا في الديوان، إلا أن الابن طلب من الشهيد وصفي التل التوسط في الأمر، فأبلغ الراحل الملك حسين، الذي أمر، بدوره، رئيس الديوان أحمد الطراونة بتعيين نجله في دائرة التشريفات الملكية، وهو ما أحرج والده، فطلب الطراونة الأب من ابنه ألا يستخدم إسم أبيه أو منصبه داخل الديوان.

وبين عامي 1971-1980 عين الدكتور فايز مساعداً لرئيس التشريفات الملكية، وفي تلك الفترة حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في الاقتصاد من جامعة جنوب كاليفورنيا الاميركية، وفي الفترة بين عامي 1980-1984 سكرتيرا اقتصاديا لرئيس الوزراء، فمستشارا اقتصاديا بين عامي 1984-1988، كما عين وزيراً للصناعة والتجارة والتموين عام 1988.

لكن واحدة من المراحل المهمة جاءت حين عيّن سفيرا للأردن في الولايات المتحدة الأميركية بين 1993- 1997. وعمل أيامها على اعادة العلاقات الاردنية الاميركية الى سابق عهدها، بعد تاثيرات أزمة الخليج1990-1991، كما احدث اختراقا مهما في العلاقات مع الكويت عام 1997.

جاء تعيينه وزيرا للخارجية في حكومة عبد السلام المجالي عام 1997، ابان كان سفيرا في واشنطن، وكان هو الوزير الوحيد الذي أدى القسم وهو خارج الاردن، ويروى أن الملك الحسين كان ابتدأ آنذاك علاجه في أميركا، فطلب بقاء الطراونة الى جواره.

وفي العام 1998 عين رئيساً للديوان الملكي الهاشمي للمرة الاولى. وعاد الطراونة رئيسا للديوان للمرة الثانية بين 2000- 2002، كما عين رئيسا للديوان الملكي للمرة الثالثة في بداية عام 2012 وحتى الآن.

لم تكن رحلة الدكتور فايز الطراونة بين الأشراك سهلة. لكنه كان ومازال رصيدا احتياطيا كبيرا للوطن.. إن تحدث يتسلل حديثه إلى القلوب والعقول، وإن لاذ بالصمت كان صمته أكثر دوياً من صوته.

Related posts

مقتل عسكري جراء عدوان إسرائيلي على موقعين في سوريا

د. اشتية: يطالب البرلمان الأوروبي بدعوة إسرائيل لوقف عدوانها

آلاف المتظاهرين في نيويورك دعما لفلسطين