لن يجد المراقبون بداً من الربط بين زيارة مستشار جلالة الملك للشؤون العسكرية، رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق أول مشعل الزبن، إلى موسكو أمس، والتطورات الميدانية في مدينة الشيخ مسكين السورية، التي سيطر عليها الجيش السوري بالكامل أول من أمس، بعد أن كانت في يد جماعات المعارضة المسلحة.
العلاقات العسكرية بين عمان وموسكو متشعبة، وفي تطور مطرد من سنوات. وتشير تقارير صحفية روسية إلى صفقات سلاح بين البلدين. لكن الوجود العسكري الروسي في سورية، والحضور الأردني في الجبهة السورية الجنوبية، فرضا تعاونا من نوع خاص، ترجم قبل أشهر بإطار مشترك لتنسيق العمليات وتبادل المعلومات، في إطار استراتيجية الأردن لتأمين متطلبات الاستقرار على حدوده مع سورية، وإبعاد نشاطات الجماعات الإرهابية عن أراضيه، وضمان سلامة المقاتلات الأردنية في سماء سورية.
ساعد الاستقرار النسبي في المناطق السورية المحاذية في تخفيف الضغوط على الأردن، وتقنين أعداد اللاجئين، خاصة مع اعتماد المنظمات الإنسانية، وبدعم من الأردن، خطة لتزويد بلدات وقرى سورية باحتياجاتها من الغذاء والدواء، وتعزيز قدرات السكان هناك لاستعادة دورة الحياة الاقتصادية وفي المجال الزراعي تحديدا.
لكن قبل أسابيع فقط، انهار ما يمكن وصفه بوقف إطلاق النار النسبي في درعا وما حولها، مع تكثيف قوات النظام السوري لعملياتها، بدعم من الغطاء الجوي الروسي.
وشكل سقوط مدينة الشيخ مسكين؛ أهم مدن محافظة درعا، إعلانا عسكريا بسقوط مجمل المقاربة التي عمل الأردن على تثبيتها. في الفترة الماضية، حاول الأردن، وبتنسيق مع الجانب الروسي، وقف التدهور الحاصل في ريف درعا، وإنقاذ حالة “الستاتيكو” من السقوط. لكن التطورات بدت أسرع من التحركات.
يخشى الأردن من تفاعلات الوضع الجديد قرب حدوده، وتحديدا تحرك المليشيات المحسوبة على إيران، واستغلال الجماعات الإرهابية لمتغيرات ميزان القوى على الجبهة الجنوبية، إضافة إلى القلق المتزايد من موجات نزوح جديدة.
حتى وقت قريب، لم يكن الأردن قلقا من تقدم الوحدات النظامية للجيش السوري. لكن لم يكن ليفضل تغيرا جذريا في توازن القوى على الأرض. وقد أغاظ السلوك الأردني هذا بعض جماعات المعارضة المقربة من عمان وواشنطن، وتبدى ذلك في فتور العلاقة بينهما، وتراجع الاهتمام بدور تلك الجماعات.
ومع دخول روسيا القوي على خط العمليات، وتلاقي المصالح حول بند محاربة الجماعات الإرهابية، حرص الأردن على تدعيم مصالحه في جنوب سورية بضمانات روسية، تحدث عنها الأردن رسميا وعلى الملأ.
هل انقلبت روسيا على ضماناتها للأردن في سورية؟ وهل تشكل التطورات الأخيرة في “الشيخ مسكين” خطرا جديا على الأردن؟ هل من ترتيبات جديدة يبحثها الزبن في موسكو؟
الأردن لن يتخلى عن محاولاته وقف إطلاق النار في المناطق الجنوبية من سورية، وعلى أقل تقدير تبريد جبهات القتال. وسيسعى جاهدا إلى تقريب المواقف الروسية والأميركية بهذا الصدد.
لكن قبل ذلك التأكد من التزام روسيا بتعهداتها للأردن، والخطوات التالية ما بعد “الشيخ مسكين”، وما إذا كانت روسيا تفكر بتغيير المعادلة جذريا على الجبهة الجنوبية.