إنهم يسرقون التاريخ!/ جمانة غنيمات

ليست الأولى من نوعها جريمة استبدال مسكوكات أثرية من الذهب تعود لعصور تاريخية قديمة، بأخرى مزورة؛ ويبدو أنها لن تكون الأخيرة! إذ وقعت خلال السنوات الماضية، أربع سرقات واعتداءات على متاحف أردنية متعددة.

فمتحف الحلي والأزياء سُرق مرتين خلال السنوات السابقة، وتم تحميل المسؤولية عن ذلك لموظفين. كما لم يسلم متحف العقبة من الاعتداء. وأخيرا، وقعت حادثة المسكوكات في متحف الآثار الأردني بجبل القلعة في عمان قبل عدة أشهر.

القصة الأخيرة بقيت طي الكتمان، فلم يدر بها الإعلام إلا عبر تسريبات من شخصيات حريصة على المصلحة العامة، سعت إلى تقديم جزء من الحقيقة بقدر ما يتوفر لها من معلومات، نتيجة التكتم المبالغ فيه حول الجريمة.

صحيح أن ما سُرق من المتاحف يقع تحت ولاية الدولة وحمايتها، لكنه حق من حقوق الناس وملك لهم عبر الأجيال، وبالتالي على الجميع حمايته من الاعتداء أياً كان شكله. وهنا دعونا لا ننسى أن اكتشاف جريمة متحف الآثار الأردني تم بالصدفة، من قبل خبير أجنبي، فرنسي الجنسية، اسمه كريستان أوجيه، ولولاه ما عرفنا عن التزوير والتلاعب شيئا!

الخطير أن القطع التي تم استبدالها ليست من بين المعروضة، بل تلك المحفوظة في القاصات. وفيما ما يزال عدد ما تم تزييفه مسألة سرية لم تكشف عنها دائرة الآثار العامة، فإن عدد القطع الأصلية يبلغ 87 مسكوكة ذهبية تم اكتشافها في منطقة عبدون، ونحو 315 مسكوكة فضية اكتشفت في عراق الأمير. وجميعها لها قيمة تاريخية لا تقدر بثمن.

كل ما كشفته “الغد” من معلومات عن الاعتداءات على المتاحف الأردنية، وآخرها تزوير المسكوكات، يثير كثيرا من التساؤلات، لكنه يؤكد وجود تقصير كبير. إذ كيف يُعقل أن المتاحف في زمن التكنولوجيا ما تزال غير مزودة بكاميرات مراقبة، الأمر الذي يصعّب في كل مرة الكشف عن هوية الجناة، مع ضياع المقتنيات التي لا تقدر بثمن، من دون أدنى ضمير؟! هذا مع العلم أن مبنى دائرة الآثار العامة الذي لا يحوي شيئا من الكنوز، يضم حوالي 17 كاميرا موزعة على المكاتب، بدلا من نصبها في المتاحف حفاظا على كنوز الأردن!

ما يُسرق من المتاحف الأردنية ومن مستودعات دائرة الآثار، هو اعتداء على تاريخ هذا البلد. لكن يبدو أن كثيراً من المسؤولين المعنيين لا يعرفون أن تلك المقتنيات نادرة! فالمسكوكات التي زُيّفت هي، بداهة، أكثر من عملات نقدية، ومن وزنها ذهباً وفضة، والقطع التي اختفت لا يقلل من قدرها إلا جاهل.

لو كانت قصة المسكوكات وقعت في بلد يقدّر تاريخه، لقامت الدنيا ولم تقعد. بينما لدينا تتعامل الجهات الرسمية ببرود غير متخيل، وكأنه ليس من حق الناس معرفة مصير آثارهم، وليس من حق الإعلام معرفة تفاصيل القضية الخطيرة التي تؤشر إلى أبعاد تتجاوز الجانب الجرمي، لتصل إلى تهشيم قيم الوطنية الحقيقية.

الخطير أن محاولات التكتم كانت بدأت لـ”لفلفة الموضوع”، أسوة بمحاولات سابقة! وليبقى تاريخنا يسرق وسط صمت مريب.

الحلول متعددة لوضع حد لكل من يفكر بالسطو على إرثنا. وأولها، فتح كل ملفات الاعتداء على الآثار بشكل رجعي، ومحاسبة كل مقصر، ناهيك عن المعتدين، في رسالة واضحة بأن سرقة وتزييف التاريخ والآثار خيانة وطنية.

أما الحل الثاني، والبدهي جداً، فهو وضع كاميرات مراقبة في المتاحف المنتشرة في مختلف مناطق المملكة، وعددها 11 متحفا، كما نشر كاميرات في مستودعات تخزين الآثار.

والأهم، أن يستخدم مدير عام دائرة الآثار الصلاحيات الواسعة التي يمنحها له القانون للحفاظ على الإرث التاريخي والحضاري لوطننا.

لدينا مشكلة كبيرة في الأردن؛ فتاريخ المملكة المعاصر غير مسجل ولم يكتب بعد بشكل لائق، ولنكتشف اليوم أن تاريخنا القديم أيضاً يُسرق ويُزيف. فيما الرأي العام مغيّب بحجة سرية التحقيق!

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير