هل أصبح لبنان جزءاً من النفوذ الإيراني؟/ داوود الشريان

موقف الخارجية اللبنانية المنسجم مع السياسة الإيرانية، والرافض للإجماع العربي في اجتماعات جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ليس جديداً، والسياسة الخارجية للبنان خُطِفَت في مواقف سابقة. وكانت السعودية تتعامل مع موقفه في الاجتماعات العربية والإقليمية باعتباره جزءاً من أزمة التوافق الداخلي بين «14 آذار»، و «8 آذار». لكن الموقف الأخير كان مؤشراً إلى تحوُّل آخر، فقوبل من الرياض برد فعل مختلف.

اليوم لم تعد السياسة الخارجية للبنان جزءاً من المناكفة بين الفرقاء اللبنانيين، بل أصبحت عنواناً لخطف هذا البلد والتحكُّم بمسيرته. فمنذ بداية الأزمة السورية أخذ لبنان ينحاز تدريجاً الى المشروع الإيراني في المنطقة، صار عملياً يُحكَم من طهران. والمتأمِّل لتاريخ ابتعاد سورية عن محيطها العربي، والذي بدأ فعلياً في 10 حزيران (يونيو) 2000، سيجد ان لبنان بات يسير، وبهدوء، على النهج عينه. فلم يعد للأطراف اللبنانية دور في المواقف السياسية للبلد، او حتى عرقلة الحل السياسي، وجرى خطف مؤسسات الدولة، حتى وصل الى القضاء، على نحو لم يشهده لبنان سابقاً.

كان العنوان الأبرز للهيمنة الإيرانية على لبنان هو تدخُّل «حزب الله» في الحرب على الشعب السوري، والذي تعاملت معه القوى اللبنانية وكأنه مجرد خلاف على موعد انعقاد مجلس النواب، فضلاً عن ان المجلس مُنِع من الانعقاد لانتخاب رئيسٍ للجمهورية، لرغبة إيران في عدم انتخاب رئيسٍ تحت مظلة اتفاق الطائف الذي تسعى طهران الى إلغائه، ومعاودة تشكيل الدستور على نحو يسمح بفرض واقع جديد يسمح لـ «حزب الله» بأن يحكم لبنان، ويصبح سلاحه هو جيش البلد.

خطورة الدور الإيراني المتنامي في لبنان، انه تسلَّل من خلال الخلافات اللبنانية – اللبنانية، فضلاً عن أن طهران استطاعت شق الأحزاب والقوى المسيحية، التي، ربما، أدركت متأخرة انها اصبحت أداة لتنفيذ المخطط الإيراني في لبنان. هل تأخر الوقت لحماية البلد من مصير سورية؟

لاشك في ان الخطوة التي اتخذها سمير جعجع في ترشيح ميشال عون للرئاسة وحّدت القوى المسيحية، وأربكت المشهد اللبناني، وكرّست موقع زعيم «القوات» على الساحة السياسية، وجعلت العماد عون رمزاً مسيحياً، وليس مرشّحاً لفريق «8 آذار». بل ان هذه الخطوة ربما تحوّلت الى وسيلة لإخراج غالبية القوى المسيحية من غبار الهيمنة الإيرانية. وإذا وجدت دعماً من تيار «المستقبل»، ستقطع الطريق على إلغاء «اتفاق الطائف» الذي يُعتبر العَقَبَة الكَأْدَاء أمام المشروع الإيراني في لبنان.

الأكيد أن طهران ستكون سعيدة بتصاعد الخلافات بين تيار «المستقبل» والأطراف المسيحية في «14 آذار»، لكن هذا يجب ألا يحدُث. المسيحيون اللبنانيون كانوا على مدى التاريخ حماةً لعروبة لبنان، وتوحُّدهم بات مطلباً للحفاظ على هويته العربية. لبنان أصبح هشّاً أمام التدخُّلات الإيرانية لأنه فرَّط بتحالفاته التقليدية، وحان الوقت للتمسُّك بها مجدداً من أجل قطع الطريق على خطف لبنان من محيطه العربي.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات