حرب التنبؤات.. هل فقدت البوصلة؟/ جمانة غنيمات

الظاهر أن الجهة الرسمية الوحيدة التي كانت قادرة على قراءة توقعات الطقس بدقة هي الحكومة؛ فرئيس الوزراء د. عبدالله النسور لم يخضع لكل المطالبات بإعلان يوم أمس عطلة رسمية، رغم أن المبالغة في تلك التوقعات أدخلت الناس في “مزاج العطلة”، ما أضاع فعلياً يومي عمل، هما الأحد والإثنين.

قرار د. النسور الصحيح كان متباينا مع عمل كل المؤسسات الرسمية، وعلى رأسها دائرة الأرصاد الجوية التي لم تُظهر توقعاتها للحالة نسبة معقولة من الدقة. وكذلك أداء التلفزيون الرسمي الذي ظل يعمل على مدار الساعة لكأن الثلوج ستتراكم لمستويات مخيفة أو تراكمت فعلاً؛ فجاء هذا الأداء متماهياً مع “افتراض” أننا محتجزون في البيوت بسبب ذلك.

قرار عدم إعلان يوم أمس خصوصاً عطلة رسمية، ربما يعكس عدم ثقة بين الرئيس ومؤسسات الحكومة؛ كون هذا القرار جاء مخالفا لكل التوقعات المتعلقة بالمنخفض الجوي.

على الضفة الأخرى، لم تكن تنبؤات المؤسسات الخاصة ذات العلاقة بتلك الدقة أيضاً؛ ما أدى إلى تعقيد الأمور، وإرباك المؤسسات والأفراد على حد سواء، حتى صار سؤال المليون عند الأردنيين: أين الثلج؟

التباين في القراءات كان جليا. وإذا ما اعتبرنا دائرة الأرصاد الجوية وموقع “طقس العرب” هما الجهتين المعنيتين بتقديم التنبؤات بشأن الحالة الجوية، فقد خذل الطرفان الجمهور.

بداية، توقعت دائرة الأرصاد الجوية أن يجتاح الثلج المملكة، ليصل إلى المناطق التي يبلغ ارتفاعها 700 متر، بما يعني عمليا جميع أنحاء العاصمة عمان تقريباً، ومناطق متعددة في محافظات أخرى. وكان التكهن أن نصحو صباح الإثنين مع ثلوج بسماكة لا تقل عن 10 سنتيمترات.

“طقس العرب”، بدوره، لم يقترب من الحقيقة. إذ توقع أن تبلغ سماكة الثلوج، يوم الإثنين، 5 سنتيمترات في مختلف مناطق العاصمة، وهو ما لم يحدث، بل لم تصل للحد الذي تحدث عنه الموقع، بحيث يؤدي تراكم الثلوج إلى إعاقة الحياة العامة؛ على العكس، فإن ما قاله وتوقعه “طقس العرب” هو ما أعاق الحياة العامة وأربكها.

على كل، دخلت المؤسسات المعنية في منافسة غير مهنية، ليغدو هدفها أقرب للسعي إلى تكسير بعضها بعضاً، وليس تقديم قراءة أقرب للواقع، مع تضمين عبارات لا علاقة لها بالطقس والمنخفض، بعيدة عن العمل المتخصص، فيما يمكن تسميته “حرب تصريحات”.

ثمة شخصيات عامة استشعرت حالة الناس، فصاروا يزورون هذه المؤسسة أو تلك لإظهار الدعم والمؤازرة، لكأن القصة “حرب طقس” وليس تقديم خدمة لتسهيل حياة الناس، بدلا من تعقيدها كما حصل فعلاً للأسف.

بعد كل تلك المبالغة في توقعات الطقس، والحديث عن منخفض استثنائي، يخرج من يلوم الناس على شرائهم احتياجات أساسية؛ من خبز ومواد غذائية أخرى ووقود. لكن قبل أن تلوموا الناس على نمطهم الاستهلاكي، أصلحوا تلك المؤسسات التي بات وجودها معيقا ومربكا لحياة الناس.

بالمحصلة، فإن أداء المؤسسات والجهات المتخصصة بقراءة التوقعات الجوية، ابتعد عن المهنية والعلمية، ما ساهم ربما في فشلها بالتوصل إلى قراءات أقرب للدقة؛ وأدخل الناس، من ثَمّ، في مزاج ساخر من جميع الأطراف، شارك بدوره في خلق انطباع يؤهل لمسألة خطيرة، هي فقدان الثقة بكل تلك الجهات من دون استثناء.

الطقس مسألة حيوية وحساسة، إذ تمس الناس بكل تفاصيل حياتهم، وكلفها على الاقتصاد كبيرة. وتجربة المنخفض الأخير، والأخطاء مرتفعة الكلف التي ترتبت على عدم دقة التوقعات بشأنه، تحتاجان من المؤسسات ذات الصلة الخروج من أجواء المناكفة والتكسير المتبادل، فتعود إلى تحقيق هدفها الأساسي، وإلا يستمر نزف رصيدها من الثقة الشعبية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري