انهيار الحدود والاستثناء الأردني/ فهد الخيطان

محاولة الاختراق التي أبلى الجيش الأردني في إحباطها على حدودنا الشمالية مع سورية، هي الأضخم منذ تفجر الأحداث في سورية، واضطرار القوات المسلحة إلى فرض حالة تأهب مديدة على طول الحدود.

قدرت القيادة العامة عدد أفراد المجموعة التي حاولت اختراق الحدود بـ36 عنصرا، قتل منهم 12 بنيران المراقبات الأمامية، وأصيب عدد آخر بجراح، فيما فر آخرون إلى داخل الأراضي السورية.

لم يخف بيان الجيش هوية المعتدين؛ أشخاص حملوا السلاح، وحاولوا اجتياز الحدود خلسة حاملين معهم كميات مهولة من الحبوب المخدرة، تم ضبطها.

ضبط مثل هذه المجموعات المسلحة أو قتل أفرادها، صار منذ زمن عملا روتينيا للقوات المسلحة التي تحكم قبضتها على الحدود. لكن سعي المهربين والإرهابيين لا يتوقف لاختراق الحدود، رغم فشلهم المتكرر. وتلك مسألة في غاية الأهمية؛ فنجاحهم في عملية واحدة يكفي لفتح ثغرة يصعب إغلاقها، تغري سواهم من عصابات السلاح والمخدرات للمخاطرة في فتح طريق آمنة وحيوية لتجارتهم.

من هنا تبدو قيمة الدور الذي تلعبه القوات المسلحة في تأمين الجبهة الشمالية، وقطع الطريق على محاولات الاختراق كافة.

وعصابات المخدرات والسلاح، كما في مناطق مضطربة من العالم، يتداخل عملها بشكل وثيق مع المجموعات الإرهابية، وتنشأ بين الطرفين شبكة مصالح متبادلة، خاصة وأن كثرا من بين المنتسبين للجماعات الإرهابية كانوا في الأصل أعضاء في عصابات إجرامية تتاجر بكل الممنوعات.

وتشهد أزمة سورية على أشكال موثقة من التعاون بين المهربين والإرهابيين؛ لتأمين السلاح، وبيع المسروقات من القطع الأثرية، ولاحقا تجارة تهريب النفط، ونقل الأجهزة الحديثة للجماعات المسلحة، ناهيك عن تأمين المجندين من دول العالم.

وبفضل التحالف الوثيق هذا، تمكنت الجماعات المستفيدة من جعل حدود سورية مع جميع جاراتها باستثناء الأردن تحت تصرفها. الحدود مع تركيا نموذج لزواج المصلحة بين الإرهابيين والمهربين. ومع لبنان وقعت مناطق مهمة داخل الأراضي اللبنانية تحت سيطرة الجماعات المسلحة، بدعم أكيد من عصابات السلاح والمخدرات. أما الحدود مع العراق فقد تلاشت تماما، بعد أن بسط تنظيم “داعش” سيطرته عليها، فتحولت المناطق الحدودية بين البلدين إلى مرتع للجماعات الخارجة عن القانون، والتي عقدت صفقات مجزية مع مقاتلي تنظيم “الدولة” لتقاسم منافع التجارة بالممنوعات.

حدود الأردن مع سورية هي فقط التي صمدت وحافظت على تماسكها رغم التصدعات الجيوسياسية التي شهدتها سورية، والمناطق المحاذية للأراضي الأردنية.

لم تتوقف محاولات الاختراق ولن تتوقف. وتجار الموت هم مجرد قوة متقدمة تمهد الطريق للجماعات الإرهابية من بعدها. ولو قدر لها كسر الصلابة العسكرية الأردنية، لتمكن الإرهابيون من السيطرة على المثلث الحدودي؛ الأردني العراقي السوري، وتحويل الأردن إلى ساحة عمليات لتهريب المخدرات لدول الجوار، وتمكين الإرهابيين من العمل رسميا عبر الأراضي الأردنية.

العملية الأخيرة على الحدود تعطينا الدليل عن مدى خطورة هذه الجماعات، وما تشكله من تهديد جدي للأمن الوطني الأردني. لكنها أيضا تأكيد جديد على أن سنوات التأهب الممتدة على الجبهة لم تضعف عزيمة جنود الجيش الأردني.

حدود الأردن مع سورية آخر ما تبقى من مظاهر لإقليم يحترق.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري