لسنوات مضت، كانت الآمال معقودة على أن سلوك درب الحل الدبلوماسي مع إيران حول ملفها النووي، يعني بداية عهد جديد في الشرق الأوسط، يجنب المنطقة حربا مدمرة، ويرسي أسس الأمن والاستقرار، ويبني جسور الثقة بين إيران وجيرانها العرب.
وقد تحقق أخيرا ما كان يبدو أنه معجزة؛ الدول الغربية وإيران اتفقت على تسوية دبلوماسية للملف النووي. والاتفاق الذي وصفته الإدارة الأميركية بالتاريخي، دخل حيز التنفيذ قبل أيام.
لكن لسوء طالع المنطقة وشعوبها، لم يبدل الاتفاق في الواقع المأزوم شيئا؛ لا بل زاد الأزمة تعقيدا، ورفع وتيرة التهديد بحرب جديدة.
الاتفاق عمق من فجوة الثقة القائمة بين دول الخليج وإيران، لتبلغ حد القطيعة؛ وفاقم أزمات المنطقة عوضا عن حلها.
لم تكن الأزمة في سورية قد تفجرت عندما بدأت المحادثات بين إيران والغرب. لكن وفي وقت لاحق، راهن كثيرون في المنطقة على أن تسوية الملف النووي الإيراني ستمهد الطريق لوقف شلال الدم في سورية.
الشواهد الحية اليوم تفيد بأن تفاقم الخلافات بعد الاتفاق بين إيران والسعودية، سيُترجم بمزيد من التصعيد في سورية، فيما أصبح يعرف بحرب بالوكالة. وينسحب الوضع نفسه على اليمن، الذي بات بعد الاتفاق النووي أبعد ما يكون عن الاستقرار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة.
وفي العراق، برزت مؤشرات قوية على تصعيد الجبهات بالتزامن مع التوتر المتنامي بين إيران ودول الخليج.
وكالعادة، سيدخل لبنان على خط الاستثمار السياسي. وإذا كان هناك من يأمل بتوافق طائفي ينهي حالة الفراغ الرئاسي، فإن مثل هذا الأمل قد تبدد تماما بعد الاتفاق النووي، وما تلاه من صراع على النفوذ بين إيران والسعودية.
ولم يقف التصعيد عند حدود الجبهات التقليدية والمفتوحة؛ فقد دشن الطرفان أخيرا جبهة صراع جدية ميدانها أسواق النفط. السعودية عملت من قبل على تثبيت أسعار النفط على انخفاض، ثم أعلنت إيران بعد رفع العقوبات الاقتصادية عن نيتها رفع إنتاجها من النفط، وضخ 500 ألف برميل إضافية في الأسواق يوميا.
شكل هذا الإعلان صدمة لدول خليجية نفطية، رأت فيه تطورا خطيرا يزيد من احتمالات المواجهة المفتوحة مع إيران التي تواجه هي الأخرى تحدي انخفاض أسعار النفط وتراجع المردود المالي، في وقت هي أحوج ما تكون للتدفقات النقدية لتعويض ما تكبدته من خسائر اقتصادية وتنموية جراء العقوبات الدولية.
قبل أزيد من خمس سنوات، كانت دول المنطقة تخشى من هجوم إسرائيلي على إيران يفجر حربا واسعة. الاتفاق النووي حال دون ذلك تماما. لكن الشرق الأوسط برمته كان قد دخل في سلسلة من الحروب الداخلية المتدحرجة، وعلى وقع هذه الحروب جاء الاتفاق النووي ليزيد من لهيبها، ويوسع من دائرتها، ويقضي على فرص وقفها، لا بل ويضيف إليها دولا جديدة كانت حتى وقت قريب تنأى بنفسها عن الأزمات.
الشرق الأوسط لم يكن آمنا قبل الاتفاق النووي، ولن يكون كذلك بعده. والخشية أن يكون الاتفاق سببا في تفجر حرب ثالثة في الخليج العربي.