كتب المحلل الاستراتيجي السعودي المعروف نوّاف عبيد، مقالاً مهماً أمس (في “الحياة” اللندنية) بعنوان “نفوذ السعودية: قوتها الكامنة مقابل دورها الفعلي”؛ يتحدث فيه بانزعاج شديد عن موقف الأردن من الأزمة الأخيرة بين السعودية وطهران عبر الفقرة التالية: “إنه لمحزن أن نرى أن دولة مثل الأردن على رغم اتكالها شبه الكلي على الدعم السعودي المالي والسياسي تبقى المملكة الهاشمية على أقل حد غير قادرة على سحب سفيرها من طهران واكتفت باستدعاء السفير الإيراني في عمان. للأسف الأردن لا تنفرد بذلك عن الكثير من الدول العربية والإسلامية. فموقف باكستان المحايد من إيران على رغم الدعم السعودي اللامحدود والمستمر لها على مر نصف قرن، هو بلا ريب أمر يدعونا إلى إعادة تقويم كيفية إدارة علاقاتنا الخارجية، وضرورة الوقوف وإعادة التقويم لنتائج برامج المساعدات الخارجية، وهل نجحت في عدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية أم لا”!
الكلام واضح لا يحتاج إلى تفسير، وفيه مطالبة بإعادة تقييم المساعدات السعودية للأردن. وهو وإن كان يمثّل موقف كاتب مقال، إلاّ أنّه ليس كأيّ كاتب، فهو من المقروئين جيداً، ومن أفضل الكتاب السعوديين. والأهم من ذلك أنّ كاتباً بالوزن الإعلامي والسياسي نفسه سبقه إلى ذلك، وهو جمال خاشقجي، في “الحياة” اللندنية أيضاً، المقربة من مراكز القرار السعودي، عندما كتب مقالاً بعنوان “إما أن تكونوا معنا وإما ضدنا”، وفيه إشارة مشابهة إلى موقف الأردن. والحال كذلك بالنسبة لخالد الدخيل، الذي كتب مقالاً لم يشر فيه إلى الموقف الأردني مباشرةً، لكنه أبدى مرارة من اعتبار العرب ما يحدث هو أزمة إيرانية-سعودية، وليست عربية-إيرانية!
نحن، إذن، أمام ثلاثة من أهم الكتّاب السعوديين اليوم، وهم تحديداً من أعلنت الخارجية السعودية قبل فترة من الوقت أنّ ما يكتبونه لا يمثّل الموقف الرسمي للمملكة، إلاّ أنّ ذلك لا يقلل من أهمية “النص” غير الرسمي، الذي يقدمونه لنا، إذ هو يعكس الموقف الحقيقي البعيد عن “المجاملات الدبلوماسية”، فهو بمثابة “النص الموازي” لـ”ما لا يقال” رسمياً، لكنه يعكس قناعات حقيقية في أوساط السياسة والقرار هناك!
الأردن حاول توضيح موقفه بصورة أفضل. ومقابلة الملك (قبل أيام) مع محطة “سي. إن. إن” الأميركية، بمثابة رسالة واضحة على انحياز الموقف الرسمي للسعودية، في الأزمة الراهنة. ولم يتم الإفصاح، بصورة واضحة، عمّا دار في الكواليس بين الأردن والسعودية، غداة قطع علاقات الأخيرة بطهران، باستثناء عبارات الدعم الدبلوماسي المعروفة. لكن من الواضح أنّ الموقف السعودي لم يكن مرتاحاً تمام الارتياح إلى مستوى “رد الفعل” الأردني، وربما كان يفضّل أن يقوم الأردن بـ”سحب سفيرنا” على أقل تقدير!
حسناً، قد يكون للأردن رأي آخر في هذه الأزمة، وإن كنت أتفق تماماً مع الكتّاب السعوديين المعتبرين المقروئين، في أنّ الأزمة عربية-إيرانية، وليست فقط سعودية. إلاّ أنّ إدارة الأزمة والتعامل معها من المفترض أن يكون بدرجة كبيرة من التوافقية السياسية، حتى لا ننجرّ إلى “حرب طائفية”، ولكي تكون هناك قناعات مشتركة وتفاهمات بين الدول المعنية.
ثمّة “فجوة” غير معلنة (ما لا يقال!) في العلاقات الأردنية-السعودية تجاه الملفات الإقليمية. وهناك ما يتسم بحالة “غموض” و”ضبابية”. وإذا كان نواف عبيد يتحدث عن الدعم السعودي السخي والكريم الممتد تاريخياً للأردن، وهو أمر مقدّر على كل الأحوال، إلاّ أنّ هناك تساؤلات أردنية كبيرة وعلامات استفهام حول تواضع هذه المساعدات مقارنة بما أنفق على مصر ودول أخرى من أضعاف ذلك!
الخلاصة؛ نحن بحاجة إلى وضوح أكثر في العلاقات، وتعريف دقيق وعميق للمصالح المشتركة والمتبادلة.