نفوذ السعودية: قوتها الكامنة مقابل دورها الفعلي/ نواف عبيد

تناولت في مقالتي السابقة بعنوان: «السعودية هي الأجدر بالقيادة» فكرة أن السعودية هي الأنسب والأولى بالقيادة وسط عالم عربي وإسلامي يمران بظروف حالكة، وليس أمامهم إلا أفق أكثر ظلمة. فأولاً العروبة مستهدفة عبر تدخلات أجنبية سافرة في شؤون الأراضي العربية، والإسلام مستهدف من جماعات متطرفة تحاول اختطاف الدين غصباً. وثانياً والأهم هو أن السعودية لديها الشرعية والمؤهلات المالية والعسكرية والسياسية لقيادة الأمتين في ذروة حاجتهما. برهنت في مقالتي على أسس جدارة المملكة لتولي هذا الدور الذي بلا شك بات ضرورياً، ويمثل أول مراحل التحول المحوري الذي تمر به المملكة العربية السعودية إلى عصر أكثر حزماً متسلحة بفكر جدي في الشؤون الدفاعية والخارجية يتناسب مع هذا الدور الجديد. إلا أنني لم أسعَ من وراء المقالة إلى تمجيد هذا الدور الكبير فحسب بل للتمهيد ربما لإثارة قضايا المسؤوليات الوطنية والتحولات المؤسساتية التي يتطلبها مثل هذا التغيير على تلك الأصعدة بشكل أولي ومجالات عدة متفرعة منها بشكل ثانوي، ربما نناقش تفاصيلها في مقالات قادمة. ومن ضمن هذه المسؤوليات أنه على المملكة أن تعيد بجدية وواقعية تحليل وتقويم نقاط الضعف التي تسلب من قوتها. عشرات المؤشرات تدل على أن الخلل الأبرز يكمن في ملفين على الأقل من الملفات السعودية ألا وهما ملف العلاقات الخارجية وملف الإعلام بشقيه المحلي والخارجي.

وتماشياً مع توجيهات خادم الحرمين الشريفين بأهمية النقد البناء الساعي إلى تقوية موقف المملكة ومؤسساتها وليس النقد لمجرد النقد.

فإن من المهم أن نقف عند عواقب توقيع وثيقة لوزان بين إيران والغرب التي تكاد تكون الأخطر في تاريخ المنطقة، منهية عقوداً من العقوبات والانعزال السياسي والاقتصادي المفروض على إيران التي تهدد أمن السعودية وحلفائها في المنطقة بسياساتها العدوانية وتدخلاتها في شؤون دول المنطقة وتصديرها للإرهاب منذ ثورة الخميني حتى اليوم. ناهيك عن دلالة الدور الذي لعبته «شقيقة خليجية»، ومعنى هذا الدور من احتضان واستضافة للأطراف المعنية لمحادثات تشكل محطة جديدة في تغيير موازين القوى في الشرق الأوسط، هذا على رغم عضويتها في مجلس التعاون الخليجي.

خارج نطاق أشقائنا في مجلس التعاون الخليجي، فنحن ممتنون لتضامن إخواننا في جزر القمر وجيبوتي والسودان معنا بسحب سفرائهم بعد إعلان السعودية قطعها العلاقات الديبلوماسية مع إيران. إلا أنه لمحزن أن نرى أن دولة مثل الأردن على رغم اتكالها شبه الكلي على الدعم السعودي المالي والسياسي تبقى المملكة الهاشمية على أقل حد غير قادرة على سحب سفيرها من طهران واكتفت باستدعاء السفير الإيراني في عمان. للأسف الأردن لا تنفرد بذلك عن الكثير من الدول العربية والإسلامية. فموقف باكستان المحايد من إيران على رغم الدعم السعودي اللامحدود والمستمر لها على مر نصف قرن، هو بلا ريب أمر يدعونا إلى إعادة تقويم كيفية إدارة علاقاتنا الخارجية، وضرورة الوقوف وإعادة التقويم لنتائج برامج المساعدات الخارجية، وهل نجحت في عدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية أم لا.

أما بالنسبة إلى ملف الإعلام فالمسألة أكثر تدهوراً لكنه لحسن الحظ يبقى أقل تعقيداً من إلغاء اتفاق نووي مثلاً! الإعلام السعودي صار يخسر معركة تلو الأخرى في الغرب منذ أحداث ١١ أيلول (سبتمبر) حتى الآن. وما الجولة الأخيرة التي خسرناها في المعركة الإعلامية في الغرب بترجيح كفة إيران، الدولة الفاشية المصدرة للإرهاب، على حساب صورتنا المخدشة في الخارج إلا ضربة مؤلمة أخرى تستهدف الموقف السعودي في المقام الأول وتضعف من نفوذه. انتهز الإعلام الغربي ضعف أداء المملكة إعلامياً في استهداف صورة المملكة في الرأي العام، وبالتالي في العلاقات الخارجية بين الدول الغربية والمملكة. إلا أن المسؤولية تقع أولاً وآخراً على عاتق المؤسسات الإعلامية والقائمين على وضع الاستراتيجية العامة للتواصل محلياً وعالمياً. ربما خلو الساحة العالمية من النخب السعودية غير الرسمية موضوع بحث آخر تناولناه سابقاً إلا أن الخواء الذي يشكله غياب الدور الرسمي السعودي أمر قد سبب للمملكة أكثر من موقف محرج. ففي صمت كلي من جل سفراء وديبلوماسي المملكة في الخارج في عشرات المواقف التي تطلبت رداً رسمياً صارماً، لم نرَ سوى النزر اليسير -الذي لا يتعدى الخمسة منهم- من أخذ على عاتقه وباجتهاده الشخصي الدفاع عن مصالح الوطن وتوصيل وجهات النظر السعودية الرسمية ومواقفها السياسية. إنني والكثيرين غيري نقف إجلالاً وعرفاناً بهكذا مواقف إلا أنها لن تصمد طويلاً في غياب إطار وطني واستراتيجية مركزية تحويهم.

إننا بكل صدق بحاجة إلى عاصفة حزم في العلاقات الخارجية، تؤكد على الدور القيادي والطبيعي للمملكة بين أشقائها وحلفائها كما ينبغي كونها الأجدر والأقوى. المملكة لم تعكس تلك القوى الكامنة بفرض ثقلها في المنطقة ولم تستطع توصيل رسالتها وموقفها السياسي للعالم الخارجي. الفراغ يتسع ما بين طاقات المملكة وقواها الكامنة وبين صورتها ومواقفها الفعلية في العالم. إن مربط الفرس يكمن في أن نعي أن المملكة لن تستطيع تحقيق أهداف ملموسة من التحالفات التي تقودها إذا لم تقم في المقام الأول بإعادة ترتيب ملفاتها الخارجية والإعلامية.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري