قبيل توجه الملك عبدالله الثاني إلى واشنطن الأسبوع الماضي، صدر بيان عن الديوان الملكي تضمن موجزا عن أجندة الملك في واشنطن، ولم يكن من بين اجتماعاته لقاء قمة مع الرئيس باراك أوباما، إذ اكتفى البيان بالإشارة إلى لقاءات مع أركان الإدارة والكونغرس الأميركيين، وهذا ماحصل بالفعل. ولو كان هناك لقاء مبرمج مع أوباما لورد ذكره في البيان، كما درجت العادة في زيارات سابقة.
ربما كان من المناسب أن يوضح الجانب الأردني الأمر بشكل صريح مسبقا، لقطع الطريق على التفسيرات والتأويلات المغلوطة، وأعتقد أن الاجتماع الخاطف بين جلالته وأوباما في القاعدة الجوية، كان محاولة لاستدراك ما فات من توضيح مسبق.
لكن أيا تكن الملابسات، فإن السجال الذي دار في أوساط أردنية حول الموضوع هو من وجهة نظري سجال شكلي وفائض عن الحاجة.
إن الزيارات من هذا النوع لا تقاس أهميتها بنوعية اللقاءات، بل في النتائج التي تحققها، او التي تترتب عليها، خاصة في هذه المرحلة الخطيرة التي تمر فيها منطقتنا.
وسائل الإعلام التي تعيش سباقا يوميا مع الأخبار، لا تجد الوقت لربط الأحداث مع بعضها، وفهم دلالاتها، والعلاقة بين النتائج والمقدمات.
وينطبق هذا الشيء على الزيارات الملكية بشكل جلي. وسأعطي مثالا واحدا هنا. يوم الخميس الماضي زارت عمان وزيرة الدولة لشؤون التنمية الدولية البريطانية جاستن جرينيغ، لتبحث مع نظرائها الأردنيين موضوعا واحدا، وهو التحضير لمؤتمر المانحين في لندن الشهر المقبل، والذي يهدف لدعم الدول المتضررة من الأزمة السورية، وفي مقدمتها الأردن.
كان الملك أشار إلى هذا المؤتمر بشكل سريع خلال لقائه وجهاء مدينة الزرقاء قبل عشرة أيام تقريبا. لكن الأهم من ذلك أن فكرة المؤتمر ولدت خلال مشاركة الملك عبدالله الثاني في الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك أواخر شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي، ودار حولها نقاش مستفيض في اجتماع جمع الملك في مقر إقامته مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، الذي أظهر تضامنا فريدا مع الأردن، وعرض فكرة المؤتمر انطلاقا من قناعته بضرورة مساعدتنا على تحمل عبء اللاجئين السوريين.
وبتوجيه ومتابعة من الملك شخصيا عملت طواقم في الديوان الملكي ووزارتي الخارجية والتخطيط على بلورة تصورات مشتركة مع الجانب البريطاني لجعل المؤتمر حدثا مثمرا للأردن.
للأسف أننا وفي غمرة البحث عن عناوين إشكالية وإثارة الجدل حول قضايا سطحية، نفتقد التركيز على النتائج المهمة، ولا نوليها الاهتمام، كما الحال في مؤتمر لندن المزمع الشهر المقبل.
كل أزمات المنطقة من حولنا، والتي تؤثر بشكل كبير على أوضاعنا الداخلية؛ الاقتصادية والسياسية والأمنية، تدار من الخارج، ومن طرف قوى إقليمية ودولية كبرى، وإذا لم نكن حاضرين، بقوة وبتركيز كبيرين وسط هذه “المعمعة” الدولية، فسنخسر الكثير، ونفتقد قدرتنا على إدارة المخاطر بالمستوى الرفيع الذي نحن عليه منذ تفجر الأزمة في سورية قبل خمس سنوات.
والتحديات في هذه الأزمة المستعصية متغيرة باستمرار، وتحتاج لمواكبة على أعلى مستوى. وفي زيارة الملك الأخيرة استحوذ موضوع اللاجئين السوريين العالقين قرب الساتر الترابي بين البلدين على اهتمام كبير، وثمة ضغوط لا تخفى على الأردن لتسوية القضية على حساب أمنه الداخلي. إدارة المسألة تتطلب جهدا دبلوماسيا شاقا، وعلى الطرفين الأميركي والروسي لتقليل الخسائر وضمان الاستقرار النسبي على الجبهة الشمالية.
“ننكش” في الأمور الثانوية، ونتجاهل السؤال عن القضايا الجوهرية؛ كيف استطاع الأردن أن يحافظ على علاقات مع كل الأطراف، وخطوط اتصال حية مع قوى تتصارع فيما بينها؛ واشنطن وموسكو، طهران والرياض، أنقرة وبغداد؟
من يود السؤال عن جدوى الزيارات الملكية، عليه أن يتوقف عند النتائج أولا قبل أن يسارع إلى إصدار الأحكام.