مضايا.. أسئلة تطاردنا/ فهد الخيطان

أخيرا، وبعد أشهر طويلة من الحصار والتجويع، تتمكن اللجنة الدولية للصليب الأحمر من إدخال المساعدات الغذائية والطبية للسكان المنكوبين في بلدة مضايا السورية وقريتي الفوعة وكفريا.

مضايا تحولت إلى أيقونة عالمية خلال الأسابيع الأخيرة، لهول الصور المروعة لأطفال ونساء وشيوخ يكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة بعد نفاد الطعام والشراب والدواء من البلدة، التي تضاعف عدد سكانها بعد الترحيل القسري لأهالي الزبادني إليها.

صفقة بين المتحاربين، طال انتظارها، سمحت للصليب الأحمر بإدخال قوافل المساعدات لمضايا، مقابل إرسال مساعدات مماثلة لقريتي الفوعة وكفريا “الشيعيتين” قرب الحدود اللبنانية السورية.

لا نعلم إن كانت جهة دولية ستتذكر في المستقبل كارثة مضايا. لكن في كل الأحوال، المتورطون في جريمة محاصرة البلدة وسكانها ينبغي أن يمثلوا أمام المحاكم الدولية لارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، لا تقل بشاعة عن جرائم النازية.

في الحروب الأهلية والصراعات المزمنة كحالة سورية، عادة ما تدوس القوى المتصارعة على كل القيم الإنسانية والأخلاقية في سبيل مصالحها الضيقة، ولا تحسب حسابا لحياة البشر والأبرياء. ولا تترد في اللجوء إلى أقذر الأساليب، كالحصار والتجويع، لتركيع الخصوم والنيل منهم.

وقد وثقت التقارير الميدانية لصحفيين مستقلين وهيئات حقوقية عالمية، قصصا لا تصدق عن فظاعات ارتكبها المتحاربون من مختلف الأطراف؛ قوات النظام ومليشياته، والجماعات المسلحة المحسوبة على المعارضة، وما بينهما من عصابات تتاجر بالبشر والمخدرات، وعمليات الاختطاف والاغتصاب البشعة.

وفي حالة مضايا، ثمة أسئلة تطارد المرء فينا وهو يتابع فصول المأساة؛ أسئلة أخلاقية بالدرجة الأولى، وتخص الجماعات المسلحة التي تسيطر على البلدة، وليس حزب الله وقوات النظام التي ترتكب جريمة حصارها من الخارج.

إذا كان ثمن الاحتفاظ بالسيطرة على البلدة هو موت أهلها جوعا، فهل من اللائق أخلاقيا البقاء فيها؟ هل كان الموت جوعا هو خيار الأهالي بحق، أم انهم كانوا يخضعون لحصار من الداخل أيضا؟

وإذا كان الناس في مضايا يموتون جوعا بسبب الحصار ونفاد ما لديهم من مخزون، فكيف كان بمقدور مقاتلي المعارضة أن يبقوا على القيد الحياة ويستمروا في القتال أيضا؟ لماذا لم يفكر المقاتلون في الانسحاب من مضايا لتجنيب أهلها الهلاك؟

في الأسابيع الأولى على حصار البلدة، نقلت تقارير صحفية معلومات موثقة عن انقسام في أواسط سكانها والجماعات المسلحة بشأن استمرار السيطرة عليها من عدمه، وترك أهلها ينجون بأرواحهم. ثم في وقت لاحق، سيطرت وجهة النظر الداعية إلى الصمود وعدم تسليم البلدة لقوات النظام التي كانت قد طلبت من الأهالي الخروج بمسيرة تأييد للنظام.

ومضايا على ما عرفتها تقارير لصحفيين سوريين، تعد مركزا متقدما للتهريب من لبنان. وحتى هذا الوقت ما يزال للمهربين كلمة في الشارع.

وسط صراع افتقد لكل المعايير الأخلاقية والإنسانية، تحولت حياة قاطني مضايا لموضوع مساومة ومقايضة بين القوى المتصارعة، استمرت حتى الرمق الأخير. لم تلتفت القوى الكبرى التي تتجول مقاتلاتها في سماء سورية لمأساتهم، ولم يتحرك ضمير المتصارعين رأفة بالأطفال وهم يموتون جوعا وعطشا، والتحضيرات لاجتماعات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة استمرت من دون اكتراث بمضايا.

اللعنة على الحرب؛ فدائما ما يدفع ثمنها الأبرياء، ويقطف ثمارها المجرمون والقتلة.

Related posts

الرئيس عباس واليوم التالي!

رئيس حزبي لمجلس النواب العشرين*أ. د. ليث كمال نصراوين

من يدفع فاتورة الحرب وكيف نتعامل مع آثار العدوان؟* حسين الرواشدة