قرار جائر/ فهد الخيطان

حاولت الحكومة التخفيف من الآثار السلبية المترتبة على قرارها فرض استصدار تصاريح عمل على حملة الجوازات الأردنية المؤقتة وأبناء غزة تحديدا، بإعلانها إعفاء المتقدمين من الرسوم. لكن هذه الخطوة لن تضع حدا للجدل حول صواب التوجه من أساسه.

القرار إشكالي من النواحي القانونية والأخلاقية، ويطال في تبعاته عشرات الآلاف وربما أكثر، ناهيك عن مخاطر فقدان نسبة كبيرة أعمالهم إذا كانت مصنفة ضمن المهن المغلقة.

حملة الجوازات المؤقتة ليسوا عمالا وافدين، قدموا إلى البلاد للعمل ويحملون جنسيات بلدانهم، وإنما هم فلسطينيون شردوا من وطنهم، ولا تتوفر لهم فرصة العودة أو حمل جنسية وطنهم المسلوب. ومجرد أن الدولة الأردنية وافقت على منحهم جوازات سفر مؤقتة من دون التمتع بحقوق المواطنة، فقد صارت لهم حقوق مدنية بالحد الأدنى، أعلى مرتبة من الحقوق التي يحوز عليها العامل الوافد.

ومضى على وجود هؤلاء الإخوة بيننا عقود طويلة، اندمجوا خلالها ببنية المجتمع الأردني، في انتظار حل عادل للصراع مع إسرائيل، يحقق لهم العودة أو نيل جنسية دولة فلسطين مع استمرار وجودهم على الأرض الأردنية.

ليس من مصلحة الدولة الأردنية إفقار الغزيين وحملة الجوازات المؤقتة، وتضييق سبل عيشهم؛ فالبلاد تعج بالعاطلين عن العمل وبالفقراء. ولم يعد المرء ليقبل أن يمنع طبيب غزّي من ممارسة مهنة الطب في مستشفيات حكومية بينما يسمح لحملة جنسيات عربية بالعمل لسد النقص الحاصل.

والانتساب للضمان الاجتماعي وحفظ حقوق المنتسبين، ينبغي أن لا يخضعا للمساومة؛ فلا يعقل أن يحرم عامل من حقوقه لمجرد أنه لم يحصل على تصريح قانوني بالعمل. يكفي أن صاحب العمل انتهك حقوقه، فلا نزيده قهرا فوق ظلمه.

إن عواقب عدم تقنين عمل حملة الجوازات المؤقتة تفوق بكثير الفوائد المترتبة على القيود المفروضة عليهم؛ فلا المهن المغلقة في وجههم مغلقة بالفعل، ولا البطالة في صفوف الأردنيين تنخفض جراء هذا القيد، ففي معظم الحالات المستفيد هو العامل الوافد، عربيا كان أم أجنبيا.

قبل أن تقوم وزارة العمل بهذه الخطوة، كان عليها أن تكرس جهودها لتنظيم أوضاع العمال الوافدين؛ فحسب تصريحات المسؤولين في الوزارة، نصف العمال الوافدين يعملون بصورة غير قانونية في الأردن، ما يفوت على الخزينة عوائد مالية كبيرة، ويترك سوق العمل عرضة للفوضى.

يمكن لقرار كهذا أن يخلق انقساما داخليا وسجالا سلبيا، نحن في غنى عنهما في مثل هذه الظروف التي تستدعي تحصين الجبهة الداخلية بأسباب الصمود والوحدة في وجه تحديات خارجية جسيمة، ودول من حولنا تتصارع شعوبها مذهبيا وطائفيا، وخصوم لنا يسعون إلى فتح ثغرة في جدار الوحدة الوطنية والتأسيس لصراع هويات في الأردن، لا نعرف إلى أين ينتهي.

ولا شك أن الجهات المسؤولة قد لاحظت محاولات بعض “الرداحين” استثمار القرار للتحشيد الإقليمي، وتأليب قوى اجتماعية على الدولة. ولهذا سارعت الحكومة للتخفيف من آثاره بإعفاء من ينطبق عليهم من الرسوم. لكن من غير المرجح أبدا أن يتذكر المعنيون هذه اللفتة.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري