تزامنت الإشاعات عن مرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي نفتها السلطة الفلسطينية، مع ما نشرته صحف إسرائيلية عن “قلق” حكومة نتنياهو من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، والمناقشات التي جرت بهذا الخصوص في اجتماع المجلس الوزاري المصغر، بعد تقرير لجهاز المخابرات العامة الإسرائيلي “شاباك” حذّر من سيناريو الانهيار.
جاء رد الفعل الفلسطيني غاضبا على هذه التقارير. ورأى فيها المتحدث باسم السلطة حلقة من حلقات الضغط على القيادة الفلسطينية، تحمل في طياتها نوايا خبيثة.
لسنا في معرض السؤال عن نوايا إسرائيل تجاه الفلسطينيين؛ فهي واضحة وضوح الشمس. أما فيما يخص مؤسسات السلطة الفلسطينية، فلا أعتقد أن من مصلحة أي طرف، بما في ذلك إسرائيل، أن تنهار السلطة الفلسطينية وتعم الفوضى الأراضي المحتلة.
لكن ثمة قناعة بوجود ارتباط كبير بين استقرار السلطة كمؤسسة تدير الشؤون الحياتية للفلسطينيين تحت الاحتلال، وبين منصب الرئاسة. والسؤال المؤرق اليوم: كيف يكون وضع السلطة في حال رحيل عباس لا قدر الله؟
لقد نفى ناطق رسمي فلسطيني بشدة ما تردد عن مرض أبو مازن قبل أيام، وأكد أنه يتمتع بصحة ممتازة. نأمل ذلك، لكن عباس في العقد الثامن من عمره، ومثل سائر الأحياء معرض للموت في أي لحظة. فمن هو المرشح لخلافته؟ وهل هناك توافق فلسطيني حوله؟
في حال رحيل الرئيس الفلسطيني بشكل مفاجئ، يتولى رئيس المجلس التشريعي المنصب لحين انتخاب رئيس جديد. لكن المجلس المذكور مطعون في شرعيته بعد انتهاء مدته الدستورية، ورئيسه عبدالعزيز دويك، قيادي في حركة حماس، فهل تقبل حركة فتح أن يتولى الرئاسة ولو ليوم واحد؟
والانتخابات الرئاسية متعذرة في ظل حالة الانقسام السياسي والجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي الصف الثاني من خلف عباس صراع ظاهر بين أقطاب السلطة على الخلافة، وتكاد لا تجد قياديا واحدا يحظى بدعم الأغلبية في”فتح”. بعض الأوساط المطلعة تعتبر مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج من بين أقوى الأشخاص لخلافة عباس، ويحظى بدعم عربي وأميركي. وكي يتمكن من المنافسة، لا بد أن يكون عضوا في قيادة “فتح” ومن ثم منظمة التحرير.
وهناك بالطبع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان الذي تمتع بنفوذ قوي في الداخل، لكن دونه والرئاسة عقبات لا تنتهي، ويكفيه موقف الصف القيادي المعارض لعودته من الخارج، ومنحه أي دور في المستقبل.
اليوم التالي بعد عباس، وكما يبدو، مفتوح على المجهول، وقد يؤدي الصراع على السلطة إلى تفجيرها من الداخل قبل مؤامرات الخارج وإسرائيل. ومثل هذا الصراع يعني تكريس الانقسام بين شطري الوطن الفلسطيني، وانشطار آخر في الضفة الغربية، وداخل حركة فتح نفسها.
لا شك أن الأطراف المعنية بمستقبل السلطة تفكر بهكذا سيناريو. إسرائيل، على سبيل المثال، تستعد لكل الاحتمالات، ولا نعرف إن كان الأردن قد تحضر لهذا الوضع؛ فهو الدولة العربية المعنية أكثر من غيرها باستقرار الأوضاع في الضفة الغربية، خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها المملكة تحديات على كل الجبهات.
فلسطيني غيور على مستقبل شعبه، قال يوما: أخشى أن يكون أبو مازن هو آخر الرؤساء الفلسطينيين، ومن بعده المجهول.