منذ ثورة الخميني العام 1979، وخط الأزمة البياني بين إيران والسعودية في تصاعد. فعلى مدار 35 سنة تقريبا، يخوض البلدان حروبا بالوكالة في عديد دول المنطقة.
دعمت السعودية عراق صدام حسين بالمال والسلاح في حربه الطويلة مع إيران. وبعد الغزو الأميركي للعراق، دخلت الرياض وطهران في صراع على النفوذ ما يزال محتدما حتى وقتنا هذا.
وقبل ذلك كان وما يزال التنافس بين البلدين في لبنان على أشده. صراع طائفي مغلف بالسياسة، أخذ مسارا داميا في مرحلة “الربيع العربي”؛ بدءا من البحرين التي تدخلت السعودية عسكريا فيها لحماية النظام الملكي، ثم سورية، فاليمن.
لم يفلح الاتفاق التاريخي بين إيران وحلفاء السعودية، الأميركيين والأوروبيين، في تهدئة التوتر، لا بل إن السعودية ومعها دول خليجية زاد قلقها من طموحات إيران بعد الاتفاق النووي.
لكن، ولأول مرة، يجد البلدان نفسيهما في مواجهة مفتوحة ومباشرة، بعد قرار السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية إعدام السعودية رجل الدين الشيعي نمر النمر، وما تلاه من تصعيد دبلوماسي وإعلامي، وحملة تهديدات متبادلة بلغت أوجها بتصريحات نارية للمرشد الأعلى في إيران.
سؤال المراقبين والمحللين بالأمس: هل السعودية وإيران في طور الانتقال من مرحلة الحروب بالوكالة إلى المواجهة العسكرية المباشرة؟
ثمة من يرى أن الرياض وطهران بلغتا مرحلة خطيرة من الاشتباك الميداني في اليمن وسورية، يتعذر معها الحسم أو النصر، ولا شيء يحول اليوم دون انزلاقهما إلى مواجهة مسلحة، في غياب العامل الدولي.
موسكو عرضت الوساطة لنزع فتيل الأزمة، وواشنطن دعت الطرفين إلى التهدئة واحتواء الأزمة. لكن كلتيهما أخفقتا من قبل في تقريب المواقف السعودية الإيرانية حيال أزمات المنطقة، فماذا بوسعهما أن تفعلا الآن بعد أن تباعدت المواقف حد القطيعة؟!
السعودية لم تعد تثق بواشنطن منذ أن وقّعت الأخيرة الاتفاق النووي مع طهران. وموسكو لا تملك أي نفوذ في الرياض. وفي المقابل، ليس في نية طهران تقديم تنازلات على أي من جبهات الصراع تهدئ من روع الخليج العربي.
لكن هل تقوى الرياض وطهران المنهكتان في حروب بالوكالة تكلف مبالغ طائلة، على تحمل حرب مباشرة، بكل ما تعني من خسائر مادية وبشرية هائلة؟
إيران لم تخرج بعد من نير العقوبات الاقتصادية، وأسعار النفط المتدهورة تلقي بظلالها على الموازنة العامة للبلاد، وفوقها تكاليف باهظة في سورية واليمن ولبنان.
السعودية وإن كانت في وضع أفضل نسبيا، إلا أنها في الموقف نفسه تقريبا. قبل أيام، أقرت موازنة تقشفية، والحرب في اليمن تحرق ملايين الدولارات يوميا، وبرميل النفط يترنح عند أدنى سعر.
دول الخليج العربي لا تبدو متحمسة للتصعيد العسكري مع إيران، رغم اصطفافها سياسيا مع السعودية.
في لحظة تأمل، سيدرك قادة البلدين أن الحرب المباشرة ممنوعة بحكم الأمر الواقع الاقتصادي. وما الحاجة أصلا إلى حرب مباشرة تضرب استقرار البلدين، ما دام بالإمكان تصفية الحساب في ساحات أخرى.
المرجح، لا بل المؤكد أن الحروب بالوكالة ستتصاعد في سورية واليمن والعراق ولبنان، كل حسب مستواه. وما قطع العلاقات الدبلوماسية إلا خطوة شكلية تمنح المواجهة رسميا طابعا طائفيا صرفا، على امتداد مساحة العالم العربي كله.