تبدّدت كثير من الآمال المعلّقة على العام الجديد بأن يجلب معه شيئاً من الاستقرار والسلام والأمن للمنطقة، ولملايين المواطنين العرب، بعد أن انتفض المجتمع الدولي في نهاية العام الماضي لإيجاد تسويات في كل من سورية واليمن وليبيا.
فعلى النقيض من ذلك تماماً، يدفع التطوّر الجديد في الصراع الإيراني-السعودي، مع إعلان الرياض قطع العلاقات مع طهران، بعد اقتحام السفارة السعودية هناك، بالمنطقة إلى رفع وتيرة التوتر المذهبي والطائفي إلى درجة من الغليان غير المسبوق.
يمكن ملاحظة ذلك في “رجع الصدى” لدى الأمين العام
لحزب الله اللبناني حسن نصرالله، على إعدام السعودية الشيخ نمر النمر؛ إذ تجاوز في هجومه كل الخطوط التقليدية السابقة.
على الأغلب، نحن ننزلق إلى مرحلة أكثر خطورة وحساسية من الصراع الإقليمي. ويبدو أنّ هناك قراراً روسياً-إيرانياً بتأجيل وترحيل الحلّ السياسي في سورية إلى حين تحقيق اختراق نوعي في موازين القوى الحالية، باستثمار “فائض القوة” الحالي لديهما، في مواجهة المعارضة والدول الأخرى التي تمرّ بمرحلة ارتباك شديدة في تقدير الوضع وتعريف الموقف في الساحة السورية.
في المقابل، فإنّ تركيا والسعودية تجدان نفسيهما اليوم أكثر من أيّ وقت مضى، في “خندق واحد” في مواجهة التحالف الجديد. لذلك، وقّعت الدولتان اتفاق تعاون استراتيجي، ما يمثّل خطوة جديدة من خطوات تشكيل محور إقليمي (سعودي-تركي-قطري) في مواجهة المحور الآخر (الإيراني-الروسي) الذي يضم إلى جانبه حكومتي بغداد ودمشق، ومعهما حزب الله والحوثيين.
وبالرغم من أنّ ما يسمى بـ”المعسكر العربي المعتدل” (الأردن ومصر والإمارات) وقف مع السعودية دبلوماسياً، وندّد بما حدث مع سفارتها في طهران، إلاّ أنّ هناك “فجوة” بدأت تتسع وتتعمق في أوساط هذا المعسكر بين هذه الدول والرياض؛ سواء فيما يتعلّق بمقاربة الملف السوري، وبدرجة أقل اليمني، وما بين سطور هذه الملفات والقضايا من موقف مفصلي تجاه حركات الإسلام السياسي، بخاصة الإخوان المسلمين أو السلفيين غير القاعديين والداعشيّين!
إذن، عملياً هناك ثلاثة معسكرات-مشروعات في المنطقة، وتسخين جديد للبؤر الملتهبة أصلاً. لكن أيضاً هناك مشروع “داعش” الذي يلبس ثوب “الدولة الإسلامية” وينافس السعودية وتركيا على دعوى الدفاع عن المجتمعات السنية وملء الفراغ الاستراتيجي في المنطقة.
صحيح أنّ “داعش” تعرّض لضربات قاسية خلال الفترة الماضية، وجدنا صدى لها في خطاب البغدادي الأخير (فتربّصوا!)؛ إذ خسر الرمادي وجزءا كبيرا من الطريق التي تصل الرقة بالموصل، ومناطق مهمة على الحدود التركية-السورية، مع اصطياد عدد من قيادات التنظيم الميدانية، والضغط عليه من مختلف الجهات. إلاّ أنّ هذا “المشروع” الخطير لا يموت بسهولة، وليس من المتوقع أن تكون هذه الضربات العسكرية علامة أو مؤشرا على أنّ المعركة ستكون بمثابة “قطعة حلوى”؛ بل على النقيض من ذلك تماماً، فمعركة الرمادي وما تلاها مؤشر على تعقيدات وصعوبة المعركة. إذ لم ينجح التحالف الدولي والقوات العراقية في اقتحام المدينة إلا باتباع سياسة الأرض المحروقة، حتى أنّه لم يَبْقَ في كثير من الأحياء حجر على حجر!
مع ذلك، بقي للتنظيم انتحاريون ومقاتلون، ونفّذ عمليات دموية ضد القوات العراقية، ما أدى إلى قتل وجرح العشرات منهم. وبادر إلى توجيه ضربات في محافظة صلاح الدين. لكن ما هو أخطر من ذلك أنّ سلوك المحور الروسي-الإيراني، والفراغ الاستراتيجي، سيعززان من النزعة الراديكالية، فيما ستأخذ الحرب الباردة السعودية-الإيرانية المنطقة إلى مستوى أكثر خطورة وتوحّشاً!