كان يمكن للاحتجاجات “الليلية” في وادي موسى أن تخرَج عن نطاق السيطرة أو تتجاوز خسائرها الجانب المادي، لولا أن قوات الأمن وعقلاء المدينة تداركوا الموقف.
تصاعد أزمة البيع الآجل “التعزيم” وبلوغها هذا المبلغ من التأزيم كان متوقعا في ضوء الإدارة المرتبكة والمترددة للمشكلة من بداياتها.
تحرك السلطات المختصة جاء متأخرا، بعد أن كان المئات من المواطنين قد وقعوا في الفخ، ودفعوا ما يدخرون من أموال للتجار. وما بدا تصرفا حازما من الحكومة في التعامل مع الأزمة، سرعان ما استحال تراجعا تحت ضغط المتضررين أنفسهم. فبعد أن تحفظت جهات التحقيق على أموال وممتلكات العشرات من التجار المتورطين في”التعزيم” ثارت ثائرة الناس هناك، وزعموا أن هذا الإجراء سيفوّت عليهم فرصة تسوية المطالبات واسترداد أموالهم في وقت قريب. وكان لافتا بحق أن يتظاهر ضحايا “التعزيم” دفاعا عمن نصب عليهم و”لطش” أموالهم.
وبالفعل استجابت الجهات الرسمية لهذه الضغوط ورفعت الحجز التحفظي عن التجار المعنيين. واستبدلت آلية التقاضي القانونية بأخرى أهلية، وتشكل ما بات يعرف بفريق إدارة الأزمة من أبناء المدينة ونوابها وشيوخها. وشرع الفريق في مفاوضات طويلة مع التجار لإعادة الأموال إلى أصحابها.
ماطل التجار كثيرا، وعدوا وأخلفوا عشرات المرات، وأعطوا مواعيد للدفع ولم يلتزموا إلى يومنا هذا. ومع كل موعد يحل دون وفاء، يتنامى غضب المتضررين، إلى الحد الذي وصله في الليالي القليلة الماضية.
تتحمل الجهات الرسمية المسؤولية عما بلغته الأزمة من تصاعد، لأنها رضخت للضغوط وتنازلت عن تطبيق القانون لصالح صيغة أهلية لا قيمة لها من الناحية القانونية. ويتحمل المتضررون المسؤولية لأنهم أحسنوا الظن بالتجار، ولم يثقوا بقدرة المؤسسات المعنية بتطبيق القانون على تحصيل حقوقهم.
في المحصلة، لن يستعيد المتضررون حقوقهم في وقت قريب، وإذا ما استمرت آلية إدارة الأزمة كما هي، فالأرجح أنهم لن يحصلوا على فلس واحد في المستقبل. وإذا كان بمقدور تجار”التعزيم” أن يتحركوا ويفاوضوا على راحتهم من عمان، فإنهم لن يعبأوا بالاحتجاجات وحرق الإطارات في وادي موسى.
ينبغي على السلطات أن تتحرك على الفور، وتستعيد زمام المبادرة من يد الأطراف الأخرى، وذلك بفرض الحجز التحفظي على أملاك التجار، وتفعيل الآلية القانونية بحقهم شخصيا، والسير بسرعة في إجراءات محاكمتهم، ومن ثم بيع أملاكهم في المزاد العلني لتعويض المتضررين قدر المستطاع.
ربما يحتاج الأمر بعض الوقت، لكن ما من شيء يخسره الناس بعد كل ماخسروه، وقد اختبروا طريقا بديلة من طريق القانون، وانتهى بهم الأمر يصرخون في الشوارع دون أي أمل باستعادة أموالهم.
بغير ذلك ستتحول وادي موسى إلى نقطة ساخنة ومزمنة، ولا يغيب عن البال وقوعها على خط التماس مع مناطق وبؤر ساخنة قد يسري إليها الحريق بكل سهولة ويسر.
إننا بصدد منطقة سياحية تحوي أعظم كنز أثري في الأردن، وتعاني من تبعات تراجع السياحة، والظروف الاقتصادية المعقدة، والمزاج الاجتماعي الحاد. وهذه كلها عوامل تأزيم، يمكن أن تتفاعل مجتمعة في لحظة واحدة، يصعب بعدها التنبؤ بالنتائج.