طرح اغتيال سمير القنطار في دمشق (جرمانا) مسألة الغارات الصهيونية على سورية بجدَّة أكبر مما طرحته غارات عديدة سابقة، خصوصاً بعد التدخل العسكري الروسي، وتحديداً بعد نشر منظومة صواريخ أس 400 التي من المفترض أنها تحمي الأجواء السورية. السبب أن القنطار “ممانع”، يدافع عن النظام السوري، لكنه قتل في دمشق، على الرغم من الحماية الروسية للأجواء السورية.
في الأمر، كما يبدو، تواطؤ روسي. حين تدخلت روسيا عسكرياً في سورية، سارع رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى موسكو لتوقيع اتفاق تفاهم حول النشاط في الأجواء السورية، وتشكلت لجنة متابعة بإشراف نواب وزراء الدفاع، غرضها منع الاحتكاك في الأجواء السورية، وبالتالي، لتنسيق الطلعات الجوية. وأشار الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خطاب ناري أخيراً، إلى أن موسكو تنسق في الأجواء السورية مع إسرائيل والتحالف الدولي. بمعنى أن الطلعات الصهيونية في الأجواء السورية منسقة مع روسيا. إذاً، كيف تسمح روسيا بهذه الضربة؟ نفهم أن الدولة الصهيونية نسقت مع روسيا حول ما قرّرته منذ أمد، أي ضرب كل ما يتعلق بأسلحةٍ يمكن أن تنقل إلى حزب الله في لبنان، لكن الطائرات الصهيونية طاولت منظومة صواريخ سكود، وضربت في القلمون كذلك. والآن، في دمشق ضد “رمز مقاومة”، وحليف ممانعة.
هذا يعني أن روسيا التي أتت لإنقاذ النظام تراعي المصالح الصهيونية بشكل كامل. ربما هذا ما دفع بوتين إلى إرسال مستشاره لتدارس الوضع السوري مع القيادات الصهيونية. أي لمعرفة ما هو الأفضل لها في ظل ما يمكن أن يجري من ترتيباتٍ خلال المفاوضات المقبلة بشأن سورية. وما يُفهم من ذلك أن الموقف الصهيوني أساسي في المنظور الروسي لسورية. وهذا يعني، أيضاً، أن التحكم الروسي بالقرار السياسي السوري سوف يفرض علاقة جديدة بين الدولة الصهيونية والنظام، وربما يحقق “الصلح” الذي ظهر أن بشار الأسد سعى حثيثاً إلى تحقيقه، كما ظهر في تصريحات وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، والتي كانت استمراراً لتواصل ومفاوضات جرت سنوات 2007/ 2008، رعتها تركيا حينها بطلب من النظام.
وهو يعني، من ثم، أن ليس في المنظور الروسي وجوداً لـ “المقاومة”، وهو ما يظهر في سماحه للطيران الصهيوني بقصف السلاح الذي تعتبره الدولة الصهيونية خطراً عليها. لكن، لا شك في أن في هذا المنظور وجوداً لـ “الممانعة”، التي تعني “التعنت ضد أميركا”، وهذا ما يجمعها مع الدولة الصهيونية، وبالتالي، يجمعها مع محور الممانعة الذي خصّ فقط أميركا ولم يشمل الدولة الصهيونية. وربما هذا من العوامل التي تفرض التمسك باستمرار بشار الأسد، وأيضاً التمسك الصهيوني به.
الآن، ربما غطى الدور الروسي في سورية على سياسات روسيا منذ سنوات، والتي ظهر أنها تعزّز تحالفها مع الدولة الصهيونية، لأنها تسعى إلى وراثة أميركا في “الشرق الأوسط”، والدولة الصهيونية جزء من هذا الإرث. كما أن ما يجعل بوتين يعتقد أنه قادر على “توظيف” هذه الدولة هو وجود حوالي مليون روسي غير يهودي فيها، إضافة إلى اليهود الروس، وأيضاً، تمركز المافيا الروسية فيها، وهي المافيا التي تلعب دوراً مهماً في الدولة الروسية. وككل منظور إمبريالي، ترى روسيا أن عليها أن تقيم إستراتيجيتها في “الشرق الأوسط” على الأساس نفسه الذي أقامته بريطانيا العظمى وأميركا الإمبريالية. وبهذا، فهي تتقدم للحلول محلّ أميركا للسيطرة على المنطقة، انطلاقاً من الوجود المركزي للدولة الصهيونية، وليس بعيداً عنها. وما يجري في الواقع، كما أشرت قبلاً، يوضّح هذا الأمر، فهي تسحق الشعب السوري، والدولة الصهيونية تصفي ما يمكن أن يشكّل خطراً عليها بمعرفة روسية.
إنها تسحق ثورة الشعب السوري، وتسمح بتصفية بقايا “المقاومة”، لكي يجري ترتيب وضع سوري لبناني متصالح مع الدولة الصهيونية تحت السيطرة الروسية… كل التمنيات لحلف “المقاومة والممانعة”، أما الشعب السوري فسوف يهزم الاحتلال الروسي.