في خطوة شجاعة باتجاه كشف الخلل، وضعت المديرة التنفيذية للمؤسسة الأردنية لتطوير المشاريع الاقتصادية هناء عريدي، يدها على وجع التنمية، متحدثة عن القصور الرسمي في تحقيق التنمية المطلوبة في المحافظات تحديداً.
العريدي، وفي مقابلة مع “الغد” أجراها الزميل طارق الدعجة، أشارت إلى تراجع المشاريع الممولة من صندوق تنمية المحافظات خلال العام الحالي، مقارنة بالعام الماضي؛ معللة ذلك بمحدودية الأموال التي تم رصدها للصندوق، إذ لم تتجاوز 5 ملايين دينار، في مقابل الحجم الكبير للطلبات المتقدمة للاستفادة من تمويل الصندوق.
المعلومات تعرّي الخلل، وتؤكد أن المسافة ما تزال بعيدة بين الوعود والواقع. إذ نكتشف أن عدد المشاريع التي مولها صندوق تنمية المحافظات تراجع بنسبة 80 % هذا العام قياساً إلى العام السابق؛ إذ انخفض بمقدار 33 مشروعا، ليصل إلى 8 مشاريع فقط، بحجم تمويل مباشر من الصندوق يقدر بحوالي 6.1 مليون دينار، مقارنة مع 41 مشروعا تم تمويلها في 2014، بقيمة بلغت 22 مليون دينار.
6.2 مليون دينار هو إجمالي الاستثمار في المشاريع الممولة منذ بداية العام الحالي، بنسبة تمويل تبلغ 37.5 % من إجمالي قيمة المشاريع، والتي وفرت بدورها 249 فرصة عمل.
صندوق تنمية المحافظات فكرة ملكية، أعلن عنها جلالة الملك عبدالله الثاني في تموز (يوليو) 2011، خلال زيارته إلى محافظة البلقاء، بقيمة 150 مليون دينار ترصد على عدة سنوات. إلا أن تفعيل الصندوق بشكل رسمي تأخر إلى أيلول (سبتمبر) من العام 2012.
وبعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات على إطلاق المبادرة، يبدو تقييم العمل على تنفيذها متفاوتا. لكن التراجع الأكبر كان في السنة الحالية. وهو ما يعكس مزاجا غير متفهم لأهمية المبادرة في تحقيق التنمية المنشودة، وفي القلب من ذلك تقليص الفجوة بين العاصمة وباقي المحافظات.
وتيرة العمل لم تأخذ منحى تصاعديا، كما أنها غير مستقرة؛ إذ ترى حجم الإنفاق على المبادرة يرتفع إلى 22 مليون دينار، ثم ما يلبث أن يتراجع وصولا إلى 6 ملايين دينار، وتبعاً لذلك طبعاً يتباين عدد المشاريع الممولة. وخلال قرابة أربع سنوات، بلغ إجمالي المبالغ التي تم إنفاقها على مشاريع الصندوق حوالي 130 مليون دينار، لتمويل 93 مشروعا. وكل ذلك يدفع بالسؤال حول مدى اهتمام الحكومة بتنمية المحافظات والارتقاء بحياة سكان الأطراف، وضمن هذا الهدف حجم الإدراك الرسمي لأهمية المضي في تنفيذ الفكرة.
الغريب أنه في الوقت الذي تزيد الحكومة مخصصات المعونة الوطنية، تراها تبخل في تمويل التنمية وإنشاء المشاريع المولّدة لفرص العمل المستدامة! وفي الوقت الذي تفشل في تطبيق سياسة التقشف على صعيد النفقات التشغيلية، في انعكاس لضعف إدراكها لحجم التحديات، نجدها تقصّر في توفير الأموال المطلوبة لإنشاء ورفد مشاريع تزيد من الإنتاجية في المحافظات، في بلد يعاني عموماً من انخفاض الإنتاجية حد تحوله إلى مرض اقتصادي.
تنسى الحكومة الحالية أن الوضع الاقتصادي في المحافظات والنموذج الاقتصادي فيها، يحتاجان رعاية حثيثة؛ وأن إحداث الفرق في هذا النموذج القائم، والمعتمد على الدولة أساساً، يحتاج إلى أكثر من 8 مشاريع تتوزع على 11 محافظة.
خلال قرابة أربع سنوات، وفر صندوق تنمية المحافظات، بالمعدل، نحو 50 فرصة عمل سنويا. وهذا رقم محدود يعجز عن تغيير الواقع الاقتصادي في المحافظات والأطراف، فهل تراجع الاهتمام بالصندوق تمهيدا لدفن الفكرة، أم أن إنعاشها من جديد أمر ممكن؟
ما تزل المحافظات تئن من وطأة أوجاعها الاقتصادية، والمحاولات قاصرة لتدارك هذا الواقع، فكل ما جاء للمحافظات يلقى مصيرا وحيدا مشتركا، هو الفشل أو الإفشال، بدءا من المناطق التنموية وصولا إلى الصندوق المخصص حصراً للنهوض بها.