عروبة الإخباري- كشف تقرير أميركي أمس أن إدارة الرئيس باراك أوباما أجرت خلال سنوات الأزمة السورية اتصالات سرية مع ضباط علويين من أجل استغلال «تصدعات» في تركيبة النظام وترتيب انقلاب عسكري على نظام الرئيس بشار الأسد، لكن جهودها باءت بالفشل بعدما أثبت النظام تماسكه. وجاءت هذه المعلومات في وقت أعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن دمشق «مستعدة للمشاركة» في المحادثات حول سورية المفترض أن ترعاها الأمم المتحدة في جنيف الشهر المقبل، متمنياً أن تساعد في تشكيل «حكومة وحدة وطنية». ويشير موقفه هذا إلى اختلاف جوهري في النظرة إلى مفاوضات جنيف، إذ تعتبر المعارضة السورية أنها تشارك فيها من أجل تشكيل هيئة حكم انتقالي.
وبدأت أمس إجراءات نقل دفعة من جرحى تنظيم «داعش» من جنوب دمشق في إطار اتفاق مع الحكومة السورية والمعارضة، يقضي بنقل مسلحين وعائلات من الحجر الأسود إلى مناطق أخرى خاضعة لسيطرة التنظيم في حمص أو الرقة. وعلى الصعيد الميداني، حققت «قوات سورية الديموقراطية» تقدماً في ريف كوباني (عين العرب) غداة إعلانها معركة لتحرير المنطقة من «داعش». وأكدت معلومات متطابقة أن هذه القوات تحقق تقدماً شرق نهر الفرات وتتجه نحو سد تشرين.
وكشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» أمس أن إدارة أوباما أقامت اتصالات سرية مع عناصر في النظام السوري على مدى سنوات في إطار جهد فاشل للحد من مستوى العنف في البلاد وإقناع الأسد بالتخلي عن السلطة، ناسبة معلوماتها هذه إلى مسؤولين وديبلوماسيين أميركيين وعرب. وأوضحت أن الولايات المتحدة حاولت منذ البدء البحث عن «تصدعات» داخل النظام لاستغلالها بهدف التشجيع على انقلاب عسكري، لكنها لم تجد ما يمكنها استغلاله. واعتبرت أن هذه الجهود تعكس كيف عانت إدارة أوباما للفهم والتعاطي مع «ديكتاتورية» نظام أسرة الأسد التي حكمت سورية على مدى 45 سنة.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاتصالات السرية مع سورية بقيت محدودة ولم تتمكن من الإنطلاق بقوة على عكس القناة الخلفية التي فتحها البيت الأبيض مع إيران.
ونقلت عن مسؤولين أميركيين أن الاتصالات التي جرت مع السوريين كانت تتعلق بمواضيع محددة، وأنها تمت أحياناً من خلال اتصال مباشر بين مسؤولين من البلدين وأحياناً أخرى عبر وسطاء مثل الروس والإيرانيين حلفاء الأسد، لافتة إلى أن الرئيس السوري حاول في أوقات مختلفة التواصل مع الإدارة الأميركية لإقناعها بأن على الولايات المتحدة توحيد قواها معه لمحاربة الإرهاب.
وكتبت الصحيفة أنه في بدايات قمع النظام للمحتجين عام 2011 وبدء انشقاق الجنود عن الجيش حدد مسؤولو الاستخبارات الأميركية ضباطاً من الطائفة العلوية يمكن أن يقودوا إلى «تغيير النظام». ونسبت إلى مسؤول رفيع سابق في الإدارة: «سياسة البيت الأبيض في 2011 كانت أن نصل إلى نقطة الانتقال في سورية من خلال ايجاد تصدعات وتقديم حوافز لأشخاص للتخلي عن الأسد». وأضافت أن النظام بقي متماسكاً وواصل عملية قمع معارضيه. وأعلن الرئيس أوباما في آب (أغسطس) 2011 موقفه الشهير الذي دعا فيه الأسد إلى التنحي، وهو موقف لم تحد عنه الإدارة في كل اتصالاتها منذ ذلك التاريخ، حتى تخلت عنه علانية بعد الاتصالات مع روسيا.
ونسبت الصحيفة إلى مسؤول أميركي قوله إن إحدى الرسائل التي بعثت بها الإدارة إلى دمشق قالت إنه إذا أراد النظام أن يوجد ظروفاً ملائمة من أجل اتفاقات لوقف النار، كما يقول، فإن عليه البدء بـ «وقف البراميل المتفجرة». وأشار هذا المسؤول إلى أن الاتصالات مع الجانب السوري كانت في شأن «مواضيع محددة… لم تكن كما حصل مع كوبا والصين حيث اعتقدنا انه يمكن من خلال مفاوضات ثنائية سرية أن نحلّ القضية».
وأوضحت «وول ستريت جورنال» أنه في صيف 2012 كانت سياسة البيت الأبيض فشلت في خصوص «تغيير النظام» في دمشق، وانتقلت الإدارة إلى تقديم الدعم لفصائل المعارضة، لكن ذلك تم ببطء. ونقلت عن مسؤول أميركي سابق إن ذلك الدعم لم يؤت ثماره لأن روسيا وإيران ضاعفتا دعمهما نظام الأسد. وزادت أن الإدارة بعثت، عبر مسؤولين روس وإيرانيين، بتحذير إلى الأسد صيف 2012 من مغبة استخدام السلاح الكيماوي على نطاق واسع، وأن هذا التحذير وُجّه مباشرة أيضاً في اتصال أجراه نائب وزير الخارجية الأميركي وليام بيرنز (تقاعد حالياً) مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم. لكن الصحيفة لفتت إلى أن «الخط الأحمر» الذي رسمته إدارة أوباما في هذا الشأن تخطاه النظام في الهجوم الكيماوي في الغوطة في آب (أغسطس) 2013، ولكن البيت الأبيض بعدما هدد بضربة عسكرية عاد وعقد صفقة مع الروس لضمان تخلي النظام عن مخزونه من السلاح الكيماوي.
وكتبت الصحيفة أن رسائل الإدارة إلى دمشق في العاميين التاليين تركزت على طرق «احتواء النزاع»، مشيرة إلى أن الإدارة أرادت ابقاء خط الاتصالات مفتوحاً لمتابعة قضية خمسة أميركيين مفقودين أو معتقلين في سورية. وأوضحت أن مساعدة وزير الخارجية الأميركي آن باترسون اتصلت مرتين على الأقل بنائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد من أجل مناقشة مصيرهم. ولفتت الصحيفة إلى أن إدارة أوباما ركّزت رسائلها في الفترة الأخيرة على الإطار الديبلوماسي بهدف جلب الحكومة السورية إلى طاولة المفاوضات، مشيرة إلى اتصالات يقوم بها على وجه الخصوص رجل الأعمال خالد أحمد القريب من الأسد والذي تولى في السنوات الأخيرة مهمة محاورة المسؤولين الغربيين وبينهم ديبلوماسيون أميركيون. وتابعت أن أحمد رتّب في الربيع الماضي زيارة ستيف سايمون المسؤول الرفيع السابق في البيت الأبيض إلى دمشق حيث قابل الأسد.(الحياة)