عدنان أبو عودة: الإرهاب «منتجنا» وليس «مؤامرة»

عروبة الإخباري- يميل مفكر سياسي عربي من وزن الأردني عدنان أبو عودة إلى قراءة النقاش الكوني حول «الإرهاب» في المنطقة من زوايا علمية وثقافية واجتماعية واقتصادية محضة لا تسقط من الاعتبار أنماط «المتاجرة السياسية» في المسألة ولا ذهنية الاستثمار والتوظيف في الحدث عند أغلبية اللاعبين الإقليميين والدوليين.

على الأساس نفسه يقترح تحليل أبو عودة أحد أبرز أقطاب الفكر السياسي في الأردن والعالم العربي هذه الأيام العودة الجوهرية لجذر المسائل للتمكن من استخلاص قراءة علمية للجدل المتعلق بالإرهاب من حيث شكله وخطابه ومضمونه وظروف استقراره في المنطقة وتحوله إلى «فكرة» تستطيع العبور والتجول بين الحدود ببساطة وتنشط في استثمار تكنولوجيا الاتصال الحديث.

في قياسات أبو عودة الاستثمار لأغراض تكريس التسلط وتحديدا «العربي الرسمي» في مساحات وحيز الإرهاب والتشدد لا يقل خطورة وتأثيراً سلبياً عن الإرهاب نفسه بقدر ما يساهم في عبثية المواجهة العميقة.

تشكل القراءة الموضوعية أساسا للتحدث عن الأرضيات و«المقدمات» التي قادت أصلاً لولادة الفكر المتشدد في رأي أبو عودة ودفعت بمجاميع من الشباب للجنوح نحو الإحباط والبطالة وبالنتيجة الوقوع في أحضان التشدد.

أبو عودة عضو ناشط اليوم في العديد من المنتديات الفكرية والثقافية والمؤسسات والمنابر الجامعية العالمية والعربية ويتصدر نخبة الفكر السياسي المعمق عندما يتعلق الأمر بالأردن وبالعالم العربي أيضا.

له العديد من المقالات والدراسات والمؤلفات المهمة وآراؤه تثير عادة الجدل ليس بسبب عمقها وجرأتها فقط بل أيضا بسبب مباشرتها في قول الأشياء كما هي وصعوبة الرد عليها عبر النظريات المعلبة التي تروجها الحكومات والأنظمة الرسمية وفقا لتقدير العديد من الباحثين.

في الأردن تقلد سلسلة طويلة من أرفع المناصب في عهد الملك الراحل حسين بن طلال وفي مرحلة نجله الملك عبدالله الثاني كان أبو عودة المستشار السياسي الأول والأخير عمليا ولنحو عام قبل صدور كتاب مثير له في تشخيص الحالة الاجتماعية والسياسية الأردنية ومغادرة موقعه الرسمي الذي لم يقم فيه طويلاً.

أبو عودة قابل مؤخراً وفداً من الطلاب والمثقفين الأمريكيين للتحدث عن الملف الذي يؤرق العالم وتقدم بإجابات محددة من باب التحليل العلمي على أسئلة حائرة ولكنها جوهرية. «القدس العربي» اقتنصت المناسبة وتحاورت مع أبو عودة في حديث خاص عن تقييمه ورأيه في السياق.

منتجنا وليس مؤامرة

○ الحديث عن الإرهاب يشغل العالم حاليا …هل توافق أولاً على شعور بعض الانطباعات التحليلية بأن ذلك بحد ذاته مقصود؟ وما الذي قلته للطلاب الأمريكيين الذين قابلتهم مؤخراً في هذا السياق؟

• من حيث المبدأ والجوهر أميل لقراءة معرفية تمهيدية قبل الخوض في تفاصيل يمكن ان تتبدل وتتغير تساؤلاتها وملامحها في حال التوافق على استخلاصات تنطوي على قدر وافر من المصداقية. من زاويتي وعندما يتعلق الأمر بمنطقتنا وعالمنا العربي والإسلامي أتصور دوماً بأن الإرهاب «منتج» وليس مؤامرة كما يحلو للبعض أن يفسر أو يقرأ.

إذا اتفقنا على مثل هذا الفهم الأساسي تصبح التفاصيل أكثر إنسيابا عند تفتيشها والتدقيق فيها.

○ هل قلت ذلك للأمريكيين الشباب الذين التقيتهم مؤخرا ؟

• طبعا قلته، هذه قناعتي، مؤشرات التشدد والتطرف في الخطاب الديني التي تخصنا تحديداً هي منتج لا علاقة له بسيناريوهات التآمر على الأمة.

○ تقصد أنه منتجنا نحن في المنطقة؟

• بالتأكيد منتج يخص هذه المنطقة وشعوبها وأنظمتها.

○ وليس مؤامرة من الأجنبي أو الخارج؟

• قناعتي انه ليس مؤامرة فعلى نحو أو آخر أنتجنا نحن كأنظمة ومجتمعات هذه البضاعة.

○ ..لا بد من الخوض في التفاصيل والمقاصد؟

• دوماً في التفاصيل تكمن القصة والقضية.. منتج بمعنى انه يشكل الاتجاه المتوقع لتفريغ شحنات الغضب التي تجتاح المواطن والإنسان جراء بقاء العشرات من الأسئلة اليومية معلقة وجراء الممارسات التعسفية التي تنتهي بإحباط اقتصادي وتصادر حرية وكرامة الإنسان.

وهذا المنتج المشوه في كل الأحوال يبقى محصلة لعدة خلفيات أهمها انعدام قبول منطقة «الفراغ» بالنسبة لقطاع الشباب تحديدا ونظام التواصل السريع الذي اجتاح ثقافة الجيل واليوم.

قصة الشباب «الغاضب»

نظرية أبو عودة تبدو ناضجة ومتكاملة في فهم دوافع إنتاج التشدد في المنطقة وبين الشعوب والأنظمة العربية فهو ينطلق في فهمه من الحقيقة الرقمية التي تقول بأن الغالبية الأهم من نسبة وتعداد السكان والشعوب العربية تنتمي عمرياً لفئة الشباب حيث تتحدث التقارير العلمية عن نسبة ما بين 50- 60 في المئة في البلدان العربية.

هؤلاء طاقة كامنة تبحث عن مكان في فراغ الإحباط السياسي العام في المنطقة وغالبية الشباب اليوم في العالم العربي برسم «الغضب» الناتج عن القصور المعرفي والنمط الاستهلاكي وندرة فرص العمل والإحباط النفسي والأهم تداعيات تسلط الحكومات والأنظمة وأنماط الفساد والمناهج.

وينتج الغضب أصلاً عن تيه في الإطار المعرفي ويزداد تأثيراً وعمقاً عندما يقرأ المرء بشجاعة وموضوعية المناهج التي تدرس في النظام المدرسي عموماً فهي مناهج لا تصلح لإصلاح الناس والبنية الاجتماعية وتحرض في الكثير من الأحيان على الكراهية ورفض الآخر وتعزز الغرور الديني وتقلص من مساحات التحاور وقبول الآخرين.

هنا حصريا يستذكر أبو عودة مقالة مهمة أثارت انتباهه لباحث تربوي أردني تحدث فيها عن نصوص تحرض على الكراهية والتشدد في مناهج وزارة التربية والتعليم في الأردن وهي مقالة للباحث التربوي الدكتور ذوقات عبيدات كانت قد أثارت ضجة واسعة النطاق.

أبو عودة قال لـ«القدس العربي» إنه شخصيا اهتم بالمقالة سالفة الذكر نظراً لأهميتها وطلب حتى من مؤسسات أمنية مركزية إجراء تمحيص وبحث معمق في مضمونها.

○ أنت تقول أن المناهج الدراسية مفصل مهم في مسألة فهم التشدد والإرهاب؟

• بل أقول ان ما تنطوي عليه بعض المناهج ثقافياً مسألة تخص أمن الدولة والمجتمع وهي نقطة بالغة الأهمية وإذا كنا جادين في تنظيم حملة ضد الإرهاب علينا ان نتوقف ونبحث بعمق عند ملف المناهج ..نريد ان نعرف ونراجع طبيعة التغذية الفكرية التي يحصل عليها الإنسان العربي والمسلم في المدرسة.

○ عندما تتحدث عن «غضب الشاب»..لم نفهم بصورة محددة دور هذا الأمر في توسع قاعدة التطرف؟

• الشباب طاقة لا تقبل الفراغ وتبحث عن مكان وموطئ قدم دوما لها في المجتمع وأي شاب لديه طموح في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وحتى في تأسيس عائلة والزواج بعد التعلم وفي حال الاطلاع على أرقام البطالة في العالم العربي نستطيع تقدير الموقف لنعرف دور القوى المتشددة باسم الدين في استقطاب وجذب من لا يجدون مكاناً محترماً في الفراغ الذي نتحدث عنه.

وليس سراً اليوم أن التشكيلات المتشددة التي تتخذ من الإرهاب والعنف منهجاً لها تدفع دولارات لبعض التائهين من الشباب.

وليس سراً أيضا أن بروز حالة بنيوية قبلية وعشائرية تقليدية تحكم أو تتحالف مع الحكم المستبد لا يوفر غطاء للشباب الطامح في الاستقرار والإنتاج.

وهنا حصرياً لا بد من الانتباه لمسألة في غاية الأهمية وهي دور عصر التواصل السريع في صناعة كل الظواهر السلبية والشاذة جراء سوء الاستعمال بالقدر نفسه الذي ينبغي أن تتيحه وسائل الاتصال في تعزيز الإيجابية وتطوير فكرة الحياة والتعايش والتكيف.

الأجيال الجديدة متمرسة أكثر في أنظمة الاتصال والتواصل والمجموعات المتطرفة استثمرت هذه المنطقة وبكفاءة وتقنيات الاتصال العصرية استخدمت في الترويج للأفكار الشريرة المتطرفة خصوصا وأن «المقارنة» سلوك بشري طبيعي وهي دوماً تمثل «قوة» يسعى كل شاب لإمتلاكها وتحديداً إذا عاش في ظل استعصاء سياسي وإحباط اقتصادي ومعيشي واستبداد حرياتي ..هنا تحديداً تصبح أنظمة التواصل السريع فعالة جداً في الجذب والاستقطاب.

○ هل في رأيك تلتقط الدول الكبرى والغربية مثل هذا الفهم؟

• يتطور مثل هذا الفهم للأمور بوضوح في الأوساط المعمقة العاقلة التي تبحث عن أجوبة على السؤال المتعلق بالإرهاب ويكفي الإشارة هنا إلى مسألتين في رأيي.

أولاً: علينا أن نلاحظ ما قاله علنا الرئيس الأمريكي باراك اوباما في تشخيصة مرة للمخاطر التي تواجه دولة مهمة ومركزية مثل السعودية حيث تحدث عن «تهديد داخلي» وليس عن «خارجي» وعندما تطرق للتفاصيل أشار لعدة عناصر أهمها «العدمية» والبطالة.

وثانياً: ما أشار إليه باحث عميق هو جوان كول وهو ينحت مفهوم «العرب الجدد» متحدثاً عن الجيل الجديد في العالم العربي حيث أن المشاكل تنتج في وعي جيل ما بعد الثمانينيات وهو ما يثبت ما نقوله عن الدور المهم لملف الشباب الغاضب.

○ ما الذي تريد قوله هنا بصورة محددة؟

• المسألة تراكمية وثقافية في العمق فلغة الدولة الحديثة بعد كل هذه التجارب البشرية في العصر الحديث هي «القانون»…من هذه الصيغة التي توصلت لها العديد من الشعوب في المجتمعات المتحضرة نحصل على «التحصين» الملائم والسؤال الذي يشكل التحدي الرئيسي لنا في العالم العربي هو: هل لدينا نمط لدولة حديثة تعتمد القانون كمعيار وبالتالي يتم تحصين المجتمع والشباب فيه من هجمات واختراقات الأفكار والمقترحات الظلامية ؟…الإجابة بطبيعة الحال يعرفها الجميع.

○ نتفق معك في ان الإجابة هنا تحديداً واضحة لكن ألا يستثمر الأجنبي أو الغربي بدوره ظاهرة الإرهاب في منطقتنا؟

• طبعا يفعل. لماذا لا تستغل بعض الدول في الإقليم وخارجه المشهد؟ قد يبدو سؤالاً على مسافة قريبة من السذاجة. نعم غيرنا. الآخرون يستغلون ظواهر الإرهاب لمصالحهم. هذا يحدث طوال الوقت في عالم السياسة وصراع أجندات الدول فالدول لديها مصالح وهذه المصالح قد تتطلب مثل هذا الاستثمار والاستغلال ..هم يفعلون ذلك والسؤال ماذا نحن فاعلون إزاء المنتج الذي يسمح لهم باستغلالنا ؟ وليس لماذا يفعلون؟

غاز الأوسط يحرك العالم

يرى أبوعودة أن تنظيمات الرعب مثل داعش وشقيقتها تولد من رحم هذه المفارقات لأن العالم اليوم «يتحرك»ولأن الشر يولد أصلاً من رحم صراع الأجندات والمصالح بدليل أن»غاز الأوسط» اليوم هو المحرك الأساسي للعالم.

ويعبر عن قلقه كمثقف من مفارقة أن من أنتج في النظام الرسمي العربي «المتشددين ومناهجهم» وأطلق عليهم إسم «الإرهابيين» هو الذي يقول اليوم إنه «يحارب الإرهاب» الناتج أصلاً عن «إدانة شعبية» للوضع العام المتردي اجتماعياً وثقافياً واقتصادياً.

○ هل يعني ذلك أنك تخشى من أجندة مغرضة في شعارات محاربة الإرهاب؟

• ما أخشاه في الإطار المعرفي ان تحكم بعض شعاراتنا بالسياق اليوم سيناريوهات الرد على إيقاع الربيع العربي بمعنى مواجهة جديدة مع الاستثمار والتوظيف بعيداً عن جوهر مسألة التشدد وعبر برامج هدفها إعاقة الحرية والكرامة مجدداً في عالمنا العربي وفي النتيجة استنساخ المزيد من أنماط التشدد والإرهاب، تلك مواجهة فيها ما يكفي من العبث.

○ العبث هل ينحصر في هذه النقطة؟

• لا بالطبع..هنا يمكن استذكار مقولة للإسرائيلي أوري أفنيري سأل فيها عن الذين يتعاملون مع الإرهاب باعتباره «مدفعاً» بينما هو «فكرة»…أقول: الطائرة والمدفع والرصاصة ليست حلولاً في مواجهة الإرهاب ولا يمكنها أن تكون أو تكفي لأن الإرهاب اليوم ليس طائرة ينبغي قصفها بطائرة أخرى فمواجهتها الحقيقية ليست بالسلاح لأنه ببساطة فكرة متجولة ولها جذور وتربة وتتنقل مستفيدة من التواصل السريع.

والقوة التي أنشأت الإرهاب أهم منه وتبدأ من عند المناهج التي تحدثنا عنها وسلسلة الفتاوى ومجموعة القيم المتخلفة التي تجتاحنا في أنظمة التربية.

تحذير

ويحذر أبو عودة في مناقشته الحيوية المعمقة مع «القدس العربي» مما يسميه محاولات «التستر» بمكافحة الإرهاب لإدامة «الحكم الفردي السلطوي» في العالم العربي.

ويؤشر في تحذيره إلى الممارسات التي توحي أن في النظام المصري مثلاً من يتحمس للبطش بجميع الخصوم السياسيين تحت ستار الإرهاب وعلى أن البعض يروج لإقامة تحالفات جديدة باسم التصدي للإرهاب قد يكون غرضها الاحتياط لمنع احتمالات عودة الربيع العربي.

ويتحدث في الختام عن رؤساء جمهوريات يريدون التحول إلى «ملوك» مع الاحتفاظ بالإطار الديمقراطي الذي يوحي بانتخابات ورئاسة جمهورية وبالقدرة على التوريث في «نكتة حقيقية» تحصل، كما يقول، عندنا فقط. مع ذلك يتفاءل أبو عودة بـ«شعاعين» برزا مؤخراً تمثلا في حلف باريس المعني بالمناخ والبيئة والانتخابات لأول مرة في السعودية.(القدس العربي)

Related posts

اتفاقية تعاون أكاديمي بين الأمن العام والجامعة الأردنية وجامعة البلقاء التطبيقية

مدير الأمن العام يقلد الرتب الجديدة لكبار ضباط مديرية الأمن العام

العيسوي: مواقف الهاشميين في الدفاع عن فلسطين مشرفة ويخلدها التاريخ