البرلمان.. سلام قف/ فهد الخيطان

قبل أن يرفع الأعيان والنواب رديهما على خطاب العرش، حرصا على طيّ صفحة قانون اللامركزية الذي كان الملك قد رده لمخالفته الدستور. احتاج إقرار القانون من النواب نصف ساعة، ومن الأعيان بضع دقائق.

الرسالة في الاتجاهين كانت واضحة وصريحة؛ لا شيء يمكن أن يعطل خطة الإصلاحات الملكية. البرلمان أنجز لغاية الآن ثلثيها؛ قوانين البلديات واللامركزية والأحزاب، ولم يتبق سوى قانون الانتخاب. وفي رد المجلسين على خطاب العرش، تعهد لا يقبل الشك بالتزام الأعيان والنواب بإقرار القانون في الدورة البرلمانية الحالية.

وليس مستبعدا أن يشرع النواب بمناقشة مشروع القانون تحت القبة قبل “الموازنة”، بعد أن فرغت اللجنة القانونية للمجلس من مناقشته والحوار بشأنه مع مختلف الفعاليات السياسية والشعبية، وأعدت تقريرها النهائي.

في مجلس الأعيان ستكون المهمة أيسر وأسرع؛ فالرئيس الجديد للمجلس فيصل الفايز، قادم لإنجاز المهمة دون إبطاء، ووفق ما يطمح صاحب القرار.

بشكل عام، يتوقع أن تمضي العملية التشريعية في البرلمان خلال هذه الدورة بقدر أكبر من السلاسة؛ فبعد التعديل الوزاري “المحدود” على الحكومة، بات الأعيان والنواب على قناعة بأن فرص التغيير قبل الانتخابات النيابية المقبلة شبه معدومة. وسيخفف هذا من حدة المناكفات مع الحكومة، إلا ما تعلق بحسابات شخصية وانتخابية للبعض.

مناقشات مشروع قانون الموازنة هي المناسبة الوحيدة لـ”شد الأذن” وتقريع الحكومة على سجلها الاقتصادي، خاصة مع تنامي القلق العام من ارتفاع المديونية إلى معدلات غير مسبوقة، والإخفاق في كبح جماح معدلات البطالة. وسنشهد خلال المناقشات مساومات صعبة على المشاريع الخدمية، وسيكون لمدى استجابة الحكومة للمطالب الخدمية تأثير كبير على اتجاهات التصويت.

في النهاية، سيمر قانون الموازنة بعد أيام من الخطب النارية، وسيتعين على الحكومة الاستعداد منذ الآن لتقبل العبارات اللاذعة، والخشوع للكلمات الحادة.

لقد كان همّ الحكومة في الأيام التحضيرية لبدء الدورة البرلمانية، ضمان المخرجات النهائية، وليس ضبط الإيقاع تحت القبة. ولهذا أولت اهتماما كبيرا لتركيبة اللجان النيابية التي يناط بها الجانب الأكبر من العملية التشريعية. وقد أظهرت نتائج انتخابات اللجان تصدر وجوه تتصف بالعقلانية والحكمة من وجهة نظر الحكومة، ما يجعل مهمة مناقشة التشريعات وإقرارها أمرا ميسرا تحت القبة.

يمكن للبرلمان أن يذهب إلى مدى بعيد في السجال مع الحكومة. لكن في المجلسين، صار أعضاء السلطة التشريعية على معرفة تامة بالخطوط التي ينبغي عدم تخطيها، وهي المرتبطة بأجندة الإصلاحات السياسية، أو ما يمكن وصفها بالقوانين السيادية كقوانين اللامركزية والانتخاب والأحزاب والبلديات، التي بنى عليها الملك عبدالله الثاني خطته الاستراتيجية لإصلاح نظام الحكم في الأردن، وعرضها باستفاضة في أوراقه النقاشية.

إن كل التطورات الإقليمية وما حملت وتحمل من مخاطر خارجية، لم تدفع الملك إلى التراجع عن هذه الخطة، رغم ما فيها من مغريات تدفع ببعض المطالبين بالإصلاحات إلى توخي الحذر. وبنفس الاتجاه، لن يقبل أن تجهض ظروف داخلية مشروعه الطموح. البرلمان استلم الرسالة وفهمها.

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير