رغم محدودية قدرة مجلس النواب الحالي على تحقيق منجزات تُحدث فرقاً في حياة الناس؛ نتيجة تركيبته التي أفرزها قانون “الصوت الواحد”، إلا أن كتلة “المبادرة” النيابية تمكنت من إحداث اختراق في هذا الجانب.
“المبادرة” التي تشكلت في ظروف صعبة، وفي ظل مجلس نواب مفتت، استطاعت أن تصمد خلال السنة ونصف السنة الماضيين، لا بالحفاظ على هذا التكتل فحسب، بل أكثر من ذلك بنجاحها في ترسيخ مبدأ جديد لم نعتد عليه في المشهد النيابي، منذ إقرار “الصوت الواحد” في العام 1993.
المبدأ يقوم على فكرة الاشتباك الإيجابي، اعتمادا على برنامج واضح، تمت ترجمته إلى خطة عمل قدمتها “المبادرة” خلال مدة وجودها، وسعت إلى تطبيقها؛ مرة بالتفاوض مع الحكومة، وأخرى بالإقناع.
هل نجحت “المبادرة”؟ وقبل ذلك، لماذا صمدت رغم كل محاولات التشويش، وحتى القضاء عليها من قبل كتل وتيارات نيابية، وجهود حكومية أحياناً؛ إذ جوبهت في فترة من الفترات بمحاولات إنهائها فوق تعطيلها، من أكثر من جهة؟
أساس الصمود هو قناعة أعضائها بضرورة تحقيق منجز في القطاعات المختلفة لصالح المجتمع، في تجسيد للدور النيابي الحقيقي المطلوب من ممثلي الشعب. ومن ثم، كانت “المبادرة” مساحة مضيئة في أداء هذا المجلس الذي طالما استفز القواعد الانتخابية بسياساته، وقدم المرة تلو الأخرى قرارات مناقضة للتطلعات الشعبية من مجلس نيابي يفترض أن يدافع عن حقوق المواطنين، وشرط ذلك تجنب تغوّل الحكومة على المجلس المنتخب.
دينامو “المبادرة” هو د. مصطفى الحمارنة، عبر قناعته بها وإيمانه بمبدأ الاشتباك الإيجابي مع الحكومة وفريقها، بما يفضي إلى تحقيق خطوات تحسّن حياة الناس، رغم كل المعيقات والعقليات التي تحول دون ذلك. وهو الاشتباك الذي كان بتقديم برامج وأفكار ناجزة في مختلف القطاعات.
الحمارنة كان أيضاً أحد عوامل النجاح بحفاظه على وحدة “المبادرة”، رغم ما مرت به من هزات.
منجزات “المبادرة” تشرحها كاملة في تقريرها الشامل الذي أعدته، والمتضمن كامل الخطوات التي تمكنت من تحقيقها وفق مبدأ الاشتباك الإيجابي مع الحكومة. والغاية في النهاية، هي إصلاح جزء من التشوهات وإحداث فرق في حياة الناخبين.
تكريس المبدأ لم يكن أمرا سهلا؛ فهو جديد على المشهد النيابي، عدا عن خطورته المتأتية من أنه يتموضع في مساحة حساسة؛ فهو لا يعني التبعية للحكومة بالمطلق، كما لا يعني معارضتها أيضاً بالمطلق. وهو بذلك يقع في إطار “السهل الممتنع”؛ فلا تسقط الكتلة بأن تكون خاتما بيد الحكومة، بل لها شروطها لدعم الأخيرة بإنجاز بعض من برامج “المبادرة”.
القطاعات التي عملت وتعمل عليها “المبادرة” مختلفة، تبدأ من قضية غاية في الحساسية عنوانها الحقوق المدنية لأبناء الأردنيات المتزوجات من أردنيين، والتي نجم عنها -بعد أخذ ورد- تبني قرارات رسمية بمنح مزايا خدمية لهؤلاء الأبناء، للتخفيف من معاناتهم.
المنجز كان تشريعيا قانونيا، رغم أن تطبيقه يجابه بكثير من المحددات. وما فعلته “المبادرة” هنا، وسواه، يوضحه التقرير الذي أعده فريقها في 37 صفحة، يغطي الفترة الماضية.
في المالية العامة والنقل والسياحة والزراعة والطاقة، كان لدى “المبادرة” رؤية وخريطة طريق، وتمكنت أيضا، رغم هامش المناورة المحدود، من الاشتباك مع الوزارات المختلفة لفرض إيقاعها ووضع وجهة نظرها على الطاولة.
لا يخلو العمل من أخطاء. وطبيعي أن يكون ثمة مآخذ على “المبادرة”. لكنها ومع اقتراب انتهاء عمر هذا المجلس، تكون قدمت نموذجا إيجابيا في العمل البرلماني البرنامجي. لكن يبقى ما أنجزته، على أهميته، غير قادر على تجميل صورة مجلس النواب في أذهان الأردنيين، بما يعني أن تغيير الصورة السلبية حول الأداء البرلماني، ما يزال يحتاج أكثر من مجلس.. ومبادرة.