المرشد والقيصر والكعكة/ محمد أبورمان

ثمّة رسائل عديدة يمكن التقاطها من زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى آية الله خامنئي، وما صدر عن اللقاء من إشارات رمزية وسياسية وإعلامية واضحة. لكن فوق هذه الإشارات جميعاً عبارة واحدة: إنّهما في خندق واحد، وإنّ ما قيل عن تباينات بين الطرفين في المقاربة السورية ليس صحيحاً، بل هناك توافق كامل على المستقبل.

لكن من المهم قراءة الموقف الإيراني الواضح (إلى الآن)، أو على الأقل وجهة نظر التيار المحافظ والحرس الثوري هناك، بعدم القبول بالتضحية بالأسد، الذي وصفه الإيرانيون برئيس شرعي جاء عبر طريق ديمقراطية. وهو موقف جامله بوتين، بالرغم من إشارات مضادة جاءت في الآونة الأخيرة عبر مصادر غربية، تؤكد أنّه إذا تم المضي إلى الأمام بمرحلة الانتقال السياسي في سورية، فإنّ هناك ضمانات روسية بأنّ الرئيس، الذي سيفقد صلاحياته الكاملة خلال 18 شهراً، لن يترشح للانتخابات المقبلة!

بغض الطرف عن حقيقة الموقف الروسي، فإن الهدف من الزيارة هو طمأنة “القيصر” الروسي لصديقه “المرشد” الإيراني بأنّ مصالحه ستكون مصانة في سورية، وستؤخذ بعين الاعتبار، وبأنّ نصيبه من “الكعكة” السورية محفوظ!

إلى الآن، على المدى القصير، لا يوجد ما يمكن أن يمزّق الشراكة بينهما (روسيا وإيران) في سورية؛ فالروس في الجو، والإيرانيون على الأرض، والهدف تكسير المعارضة وترجيح كفّة الأسد في محادثات السلام، ولا أحد يستطيع أن يستغني عن الطرف الآخر. لكن هذه الصيغة قد لا تكون “متماسكة” على المدى البعيد، بخاصة أنّ المصالح الإيرانية في سورية قد تكون أكثر تعقيداً مما يفترضه الروس، وترتبط بجوانب عقدية وطائفية، وبنفوذ واسع في النظام السياسي الجديد.

الأمر الثاني يتمثلّ في أنّ مشكلة الإيرانيين لا تقف عند الروس، بل تصل إلى العلويين أنفسهم، الذين وإن كانوا يرون بالإيرانيين حليفاً لا غنى عنه، إلاّ أنّهم بدأوا يضيقون ذرعاً في الآونة الأخيرة بالهيمنة الثقافية والسياسية والطائفية الإيرانية، وهو أمر يمسّ حياتهم اليومية ذات الطابع العلماني، التي تتناقض مع رؤية كل من حزب الله والحرس الثوري اللذين يريدان استنساخ النموذج الديني الإيراني “ولاية الفقيه” في سورية. وهذا أمر يضغط على أعصاب العلويين، الذين يعانون في الوقت نفسه من دفع ثمن باهظ جداً لوقوفهم إلى جوار الأسد خلال الفترة الماضية.

ينظر العلويون، إذن، إلى الدور الروسي كضمانة دولية لهم، وكمحدّد للهيمنة الإيرانية ولمشروع إيران في سورية، سواء في حال نجاح الحلّ السياسي أو فشله واستبداله بمشروع “سورية المفيدة”، التي يطمح الحرس الثوري إلى أن تكون على غرار النموذج العراقي في الالتحاق بالمدار الإقليمي الإيراني بصورة كاملة، سياسياً وطائفياً.

بالرغم من الصورة الإعلامية الوردية التي ظهرت بها زيارة بوتين إلى طهران، ومما تحمله من رسائل وإشارات ودلالات تؤكد على الشراكة بين الطرفين؛ وبالرغم من أنّ اللحظة الراهنة لا تحتمل إلاّ هذا التوافق بينهما، إلاّ أنّ هناك شكوكاً عميقة وكبيرة تحيط بمدى صلابة هذا التحالف وقدرته على التماسك عندما تبدأ التفاصيل المرتبطة بعملية الانتقال السياسي، أو عند التفاهم حول مصير سورية ودوائر النفوذ فيها في حال فشل الحل السياسي واحتكم الجميع إلى العمل المسلّح حتى النهاية!

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري