د.رحيل غرايبة/التدين المطلوب

التدين المطلوب الذي يريده الله ورسوله هو الذي يجعل الإنسان إيجابياً بنّاءً منطلقاً في الحياة، قادراً على الإسهام في إعمار الأرض بكفاءة وهمة عالية، يحمل رسالة الخير إلى البشرية جمعاء، ويحب الهداية لكل أولئك الغارقين في غياهب الجهل والتخلف، من أجل أن ينتقلوا إلى آفاق العلم ورحابة الكون الفسيح.

التدين المطلوب هو الذي يحض الإنسان على العلم واكتساب المعرفة؛ التي تجعله قادراً على اكتشاف نواميس الكون وقوانين الطبيعة من أجل امتلاك القدرة على تسخير موجوداته وما فيه من أسرار وطاقة لتكون في خدمة الإنسان، وتوفير الراحة للمتعبين، ورفع الضيق عن المنكوبين، وتخفيض وطأة الضنك على المعذبين.

التدين المطلوب هو الذي يجعل الإنسان خلوقاً مهذباً في أقواله وأفعاله، متواضعاً في تعامله مع البشر، ليس متكبراً ولا متعالياً، ولا مصعراً خده للناس، مقسطاً في مشيه وصوته، ليس بالصخّاب ولا بالجواظ، وليس بالفاحش ولا البذيء، ويجعله متسامحاً مبتسماً محبوباً لأنه يميل إلى اليسر في كل الأمور.

التدين المطلوب هو الذي يجعل الإنسان صالحاً مصلحاً في قومه، يحارب الفساد، وينشر كلمة الخير، ويصلح بين المتخاصمين، يدعو إلى التوفيق والتعاون على البر والتقوى، ويبحث عن المشتركات ويعظم الجوامع، ويضيق مسارب الشيطان الذي يسعى لتعميق الضغينة في النفوس، وإثارة الفتنة بين الإخوة عبر الهمز واللمز والغيبة والنميمة.

التدين المطلوب هو الذي يوّحد الأمة، ويشكل من الدين عنصراً من عناصر القوة لها، ويجعلها تنافس في الانتاج والإنجاز الحضاري، ويحميها من العجز والكسل والتواكل وقلة الحيلة، وينفي عنها روح اليأس والقنوط، ويقيها من كل عوامل الإحباط، والقعود عن طلب المعالي، ويخلص الأفراد من البخل والشح والأنانية المفرطة والاستغراق في حب الذات، لينطلقوا في مجال الخدمة والعمل العام وتحمل المسؤولية بعزم وصلابة لا تلين أمام الشهوات والمغريات.

التدين المطلوب هو الذي يجعل شباب الأمة باحثين عن التمكين المجتمعي لأمتهم ومجتمعاتهم، ولا يصرفون جهدهم وأوقاتهم في التشفي والانتقام الطفولي النابع من السذاجة الانفعالية التي تلحق الضرر بالأمة ومستقبلها.

التدين المطلوب هو الذي يدلنا على مكامن القوة الحقيقية التي تنبع من ذاتنا وإيماننا ومن داخلنا، والتي لا طريق للحصول عليها إلّا من خلال انكباب الشباب على العلم والبحث، واختصار الوقت في امتلاك المعرفة الشاملة، ومنافسة الشعوب في مجال الاكتفاء الذاتي صناعة وزراعة وانتاجاً، وأن نسعى إلى تخليص الأمة من هوانها وضعفها وذيليتها. التدين المطلوب الذي يجعل الشباب يسيرون في طريق المجد الذي يخلو من التضليل والخداع والزيف، ويخلصهم من ربقة التقليد الأعمى، وينهض بهم نحو امتلاك أدوات المنهج العلمي في التفكير والبحث عن الحقيقة المجردة، بلا تعصب مقيت ولا تبعيّة مرفوضة؛ يرفضها الدين والعقل.

التدين المطلوب هو الذي يقوم على الحرية الحقيقية، واحترام الفكر والرأي، ويحترم التعددية التي جعلها الله سمة للكون والمخلوقات كلها، ويرفض القهر والإكراه، ويدعو إلى امتلاك أدوات الحوار والمحاججة القائمة على حسن الفهم وحسن الاستدلال، بعيداً عن الكراهية، وصخب الجاهلية التي تمتهن الضجيج والتغطية على العقل والبصيرة.

Related posts

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري

ما الخطر الذي يخشاه الأردنيون؟* د. منذر الحوارات