عروبة الإخباري – نهض العرضان المسرحيان السعودي “بعيدا عن السيطرة” والكويتي “صدى الصمت” على اسلوبية مسرحة المسرح دون إغفال لجرعة الكوميديا الخفيفة التي اثرت مشاهدهما.
واستهل العرض السعودي “بعيدا عن السيطرة” للمخرج الذي شارك في التمثيل سامي الزهراني عن نص للكاتب فهد ردة الحارثي، على مسرح محمود ابو غريب ضمن فعاليات مهرجان الاردن المسرحي 22 ، مشاهده بأداء حركي لثلاثة شخوص بملابسها السوداء يقفون بشكل اصطفافي في منتصف الخشبة انطلاقا من عمقها وعمودي معها في بقعة دائرية لإضاءة علوية وشبه تعتيم لمختلف ارجاء الخشبة، ما تلبث ان تتحول الاضاءة الى خضراء وزرقاء وصفراء فيما تتموضع على ستاند سترة خضراء فسفورية على يمين الخشبة اقرب الى العمق ، وعلى يسارها ستاند اخر عليه معطف لونه بيج فيما قطع من القماش الملون ملقاة على ذات الجهة اقرب الى مقدمة الخشبة، في الوقت الذي تنتصب شاشة بيضاء في العمق اقرب الى السيكوراما تتوزع امامها بترتيب اكسسوارات ملونة شبيهة بالكتب.
وتحدث العرض المسرحي الذي اقترب من المسرح الملحمي لبرتولد بريخت والتجريب والرمزية، واتكأ على اسلوبية الكاتب المسرحي الايطالي لويجي براندلو بالجمع بين الكوميدية المرتجلة وتقنية المسرح داخل المسرح، في مستويين الاول مدخل للثاني جاء الاول اشبه بالاسكتشات عبرت عن مواقف حياتية يومية تضمنت في محمولاتها رسائل واسقاطات عميقة، لم تخل من بعدها التهكمي، على الوضع العربي الراهن اجتماعيا وسياسيا، في حين جاءت المستوى الثاني يعرض لثلاثة باحثين او طلبة يسعون لاستخراج 3 شخصيات لثلاث روايات لكاتب ما وتفكيكها واعادة تشكيلها والتي بالتالي تشوهت وفقدت خصوصيتها ورفضت العودة الى عالم الرواية والخيال بعد ان تم خلقها في الواقع المعاش ما اضطر الشخصيات الثلاث ان تحل محلها في تلك الروايات لكي لا تصبح ناقصة.
وفق المخرج في توظيف استنطاق الشخصيات الخيالية من الروايات وتجسيدها على الواقع ضمن محمولات في البناء الداخلي للعرض اراد من خلاله ارسال مضامينه، كما وفق في توظيف قدرات الممثلين في الاداء الحركي والتمثيلي بأسلوبية الكوميديا الخفيفة التي لم تخل في بناء العرض.
جاء توظيف السينوغرافيا لاسيما التقنيات البصرية (الداتا شو) من خلال الشاشة البيضاء التي جسدت خزانة كتب وخرجت منها الشخصيات الخيالية مثلما ابتلعت الشخوص التي حلت مكانها في الروايات، علاوة على اكسسورات الكتب والملابس التي تساوقت مع هوية الشخصيات وادوارها الا انه السترة الفسفورية المتموضعة على يمين الخشبة لم توظف في العرض، الذي نصه المنطوق غلبت عليه اللغة الفصحى، ولم تعبر عن اي مدلولات كامنة بشكل يتساوق مع سياق العرض.
في المشهد الذي اختلفت فيه الشخصيات الثلاثة من الباحثين على اعادة شخصيات الخيالية للروايات حملت احداها فكرا تنويريا ديمقراطيا ناهض اعادة تلك الشخصيات المتخيلة بالقوة الا انه استكان في المشهد الختامي حين وقع عليه تأدية شخصية الحلاق الشامي ورضخ بسهولة واستكان لسحب زملائه له الى جوف خزانة الكتب التي سبقوه اليها وهو ما يتعارض مع فكره الحر.
فيما جاء العرض الكويتي “صدى الصمت” للمخرج والممثل فيصل العميري وعن نص للكاتب الراحل قاسم مطرود،والذي عرض على المسرح الرئيسي مميزا بأدائه التمثيلي والحلول الاخراجية التي نفذها العميري لاسيما اعادة تأثيثه للمسرح وتوظيف ادوات الممثلين سماح وعبدالله التركماني المميزة والسينوغرافيا بمختلف عناصرها علاوة على اسلوبية مسرحة المسرح من خلال ادخال شخصية الدراماتورغ التي اداها التركماني كجزء رئيس من الفعل المسرحي والذي استخدم مؤثرات حية كانت متموضعة الى جانبه على يسار الخشبة.
تحدث العرض عن شخصيتي رجل وامرأة لا يعرفان لغتي بعضهما بعضا ومن بلدين كل منهما مجاور للآخر في حالة حرب وكل منهما فقد ولده نتيجة الحروب والتقيا كجيران في المهجر حيث عانيا الوحدة ما اضطرهما للتواصل في ظل مفارقات طريفة وغريبة حتى سن متأخر من العمر، وهو ما اراد المخرج طرحه كتساؤل في ثيمة عرضه “هل يجب ان نفقد احبائنا حتى نستطيع التواصل فيما بيننا”.