عروبة الإخباري – قدم العرض المسرحي الاماراتي “مقامات ابن تايه” من اخراج الفنان مرعي الحليان مساء امس الاثنين على المسرح الرئيس في المركز الثقافي الملكي وضمن فعاليات مهرجان الاردن المسرحي22، طرحا اخر ضمن سياقات موضوع المتغيرات الحديثة وقضية المحافظة على الهوية والموروث بالاضافة إلى الصراع الطبقي وهما المسألتان الاكثر طرقا في مجتمعات دول الخليج العربي.
العرض المسرحي الذي خلا من الديكور مستعيضا عنه ببقع ضوئية مستطيلة ومربعة تسقط من الاضاءة العلوية يستهل مشاهده بموسيقا سمفونية غربية تكشف للمتلقي منذ البداية عن بعض مفاتيحه، يتلوه برولوغ يقدمه احد شخوص العرض الرئيسة “المطرب التراثي ابن تايه”، مرتديا بدلة سوداء رسمية فيما تحمل يده اليمنى آلة العود، يعبر فيه عن رفضه المشاركة في العزف مع فرقة اوركسترالية غربية قادمة الى بلاده، فيما يتلو ذلك دخول شخصيتين هما مدير الحفلة الذي توحي لهجته انه ذو ثقافة غربية، وابنه الذي يعاني الفقر ويقحم والده المتقاعد منذ 3 اعوام في هذا الحفل دون قناعة الاخير لكي يتكسب بعض المال الذي قد يفتح له ابواب الدنيا وينتشله من الفقر الذي عاناه منذ طفولته.
مسرحية “مقامات ابن تايه” التي اتكأت على المدرسة الواقعية باسلوبية التراجوكوميديا، تطرح في تواز مع ذلك حكاية خطيبين عاشا قصة حب منذ الطفولة فيما يفصل بينهما فقر حال الشاب وثراء الفتاة وازدراء والدها لوالد خطيبها.
جاء اداء وحوارات ومونولوجات الممثلين في الحكايتين المتداخلتين ثريا بمحمولات عديدة ومنها صوت الايقاع الذي وظفه المخرج باتقان بالتوازي مع الاداء الحركي المميز لشخصية ابن تايه في صد وقمع مدير الحفلة بالقرع مع كل نغمة ايقاعية على رأسه بوصفه دخيلا يسعى لتشويه الهوية من خلال طمس الموروث واصراره على ان يكون ابن تايه عازف العود في الصفوف الخلفية من الاوركسترا والذي يعد انقاصا من حضور العود وعازفه بوصفها آلة موسيقية قائدة وبعدها العميق في الثقافة والهوية والموروث الشرقي، وفق المخرج الحليان فان العرض الذي لم يخل من الكوميديا الخفيفة، وظف تقنيات الممثل الرئيس في العرض اداء وعزفا وغناءً وقدم شخصية ابن تايه المطرب وعازف العود الملتزم الذي لا يخضع للاغراءات او الضغوط، في حمل رسالة العرض التي جاءت شفيفة رغم التفاوت الواضح مع باقي شخوص العرض ولاسيما الممثلة التي ادت شخصية الخطيبة.
وفي لوحة الختام تظهر ظلال شخصيات العرض ابن تايه وابنه والخطيبين في فضاء آخر خلف ستارة السيكوراما السوداء في اداء حركي شجن ينحى تجاه الايحاء باستمرارية النزاع بينهم، في الوقت الذي يقف مدير الحفلة في منتصف مقدمة الخشبة في مواجهة السيكوراما بوصفه قائد الاوركسترا وصاحب الكلمة الفصل في تحديد مسار ما يجري في المجتمعات العربية وهي التي حملت اسقاطات لم تبتعد عن المعنى السياسي.
النص المنطوق الذي جاء باللهجة الاماراتية المحكية بشكل مونولوجات جسد البوح المكنون داخل كل شخصية والذي يعكس حجم معاناتها اضافة الى الديالوجات التي جاءت تعبر عن عمق الثيمة وسبر ذوات الشخصيات ومخاوفها ولاسيما خلال جدالهما وتشاجرهما وتصالحهما على امتداد لوحات ومشاهد العرض، فيما لم يتم استغلال الحيز الذي تشكل من بقع الاضاءة المستطيلة والمربعة على خشبة المسرح وكانت تفصل بين الوالد “ابن تايه” وابنه، او الشخصيات الاخرى وان اوحت بعمق التباعد الذي يفصل بين كل من تلك الشخصيات.
شارك في العرض المسرحي “مقامات ابن تايه” : الفنانون سالم العيان وعبدالرحمن الكاس وحسن البلوشي واحمد الزعابي وميرة العلي، وعازف ايقاع جمعة سالم ، والاضاءة ابراهيم حيدر والصوت فيصل عبدالله ثاني.