د.محمد المسفر/للمقاومة في فلسطين القول الفصل

هذا الأسبوع الثالث، ولهيب الانتفاضة الثالثة في عموم الضفة الغربية والقدس يتصاعد، ويشتد وهجها، وتتسع دائرتها، والسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس منشغلة بلعبة الكراسي. إنه مازال يعتقد أن المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي هي الحل، المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي مستمرة منذ 1993، ولم تجدِ نفعاً، توسعت دائرة الاستيطان في الضفة والقدس أضعافاً مضاعفة، وما برحت سلطة محمود عباس تنشد التفاوض. قادة الكيان الصهيوني منهم من قضى نحبه، ومنهم من اختفى صوته، ومنهم ما برح يسوم أهل فلسطين سوء العذاب. أين مناحيم بيغن، وشامير الذي قال في مؤتمر مدريد 1993 «سندوّخ الفلسطينيين بالتفاوض مائة عام، ولن ينالوا شيئاً». شارون ورابين قضيا نحبهما، وإيهود باراك خارج السلطة، ومحمود عباس باق، يبحث عن التفاوض مع نتنياهو الأشد عدوانية ضد الفلسطينيين.


الجيش الإسرائيلي وأجهزة إسرائيل الأمنية يجوسون في كل أنحاء الضفة الغربية لملاحقة الفلسطينيين والنيل منهم، تحت سمع وبصر قوات السلطة المستقوية على الفلسطينيين فقط. تجدهم، أي الإسرائيليين، منتشرين في كل شوارع مدن الضفة الغربية وأزقتها، وفي القرى والأرياف، يقتلون من يشاءون قتله، ويعذبون من يشاءون تعذيبه، ويعتقلون من يريدون اعتقاله، وبلغ عدد المعتقلين 420 منذ مطلع شهر نوفمبر الحالي، ووصل عدد شهداء الانتفاضة هذا الشهر 86، وذلك كله تحت سمع قوات أمن السلطة وبصرها، وهي التي يأتي تمويلها من بعض الدول العربية وأمريكا. ويا فرحتي، ذهب عباس إلى نيويورك، ليشهد رفع علم فلسطين أمام مبنى الأمم المتحدة، وما جدوى ذلك العلم المرفوع الذي لا يحمي المواطن الفلسطيني. تحاول إسرائيل اليوم انتهاز فرصة انشغال العالم العربي بقضاياه الداخلية، كل على انفراد، للتوسع في الضفة وقطاع غزة، وإتمام احتلال القدس وتهجير سكان المدينة المقدسة، سورية منشغلة بحرب أهلية من أجل بقاء بشار الأسد في السلطة، رغماً عن إرادة الشعب السوري، تقود تلك الحرب وتمولها إيران، وتحميها روسيا، والقيادة السياسية في دمشق لم يعد لها النفوذ الذي يمكّنها من أن ترفع صوتها ضد الممارسات الإسرائيلية في كل فلسطين. ولم يعد للقاهرة ذلك التأثير فيما يجري على الساحة العربية، بل إنها تشن حرباً على قطاع غزة، لصالح إسرائيل، أقامت جداراً حديدياً بين غزة وسيناء، وحفرة قناة مائية بطول 13 كيلومتراً وعمق 8 أمتار، وفي 11 سبتمبر الماضي، بدأ ضخ مياه البحر في تلك القناة التي تفصل قطاع غزة عن الأراضي المصرية، وسيؤدي ضخ تلك المياه المالحة، كما يقول الخبراء، إلى تلوث المياه الجوفية بملوحة مياه البحر، الأمر الذي لا يجعلها صالحة للاستخدام الآدمي، ولا صالحة لري الأراضي الزراعية. الخليج العربي مشتبك في حرب ضروس، بدعوة من الحكومة اليمنية الشرعية ضد الحلف (الصالحي ــ الحوثي) الذي استولى على السلطة بقوة السلاح، بدعم إيراني.


في الدول التي يحترم قادتها شعوبهم، عندما يحدث، مثلاً، اصطدام قطارين، فتتسبب الحادثة بسقوط جرحى وأموات، سرعان ما يستقيل الوزير المعني من وظيفته، لأنه لم يتخذ جميع الاحتياطات اللازمة لمنع الحادث، وقد يستقيل رئيس الوزراء، أما أن تقتل إسرائيل 86 فلسطينياً، فلا يحرك هذا ساكناً لدى السلطة الفلسطينية. يقتل جنود العدو الإسرائيلي، والمستعربون منهم، أعداداً من الشعب الفلسطيني، يومياً أمام كاميرات التصوير، فلا تحرك ساكناً في قيادة السلطة العباسية. في الأسبوع الماضي، اعتقلت إسرائيل أكثر من عشرين فلسطينياً من الضفة الغربية، وجرحت أكثر من مائتين، جراح بعضهم عميقة، وأصابت 30 فلسطينياً بالرصاص الحي والمباشر. ويجري ذلك كله تحت سمع السلطة الفلسطينية وبصرها، ولم تحرك ساكناً.
وقبل ذلك، الحرب على غزة والدمار الذي حل بالفلسطينيين فيها، لم تثأر السلطة لغزة وجرحاها وشهدائها، فأي سلطة تلك؟ يقول محمود عباس في أحاديثه المتلفزة «إذا كانت الانتفاضة والمقاومة من أجل فناء الشعب الفلسطيني، فلا نريد مقاومة، ولا نريد انتفاضة». يا للهول من هذا القول(!). نسأل عراب «أوسلو» الملعونة، هل طريق مقاومة العدوان مفروشة بالحرير أم بالدماء؟ الاتحاد السوفييتي في زمانه قدّم ملايين الضحايا من أجل دحر العدوان النازي، وقدم الشعب الجزائري أكثر من مليون شهيد من أجل تحرير بلاده من الاحتلال الفرنسي، وقدم الشعب الفيتنامي من أجل حريته آلاف القتلى وجنوب إفريقيا، وغير ذلك.


يؤسفني القول إن المجتمع الأوروبي متحمس لقضايا الشعب الفلسطيني أكثر من السلطة الفلسطينية، إذ قرر اتحاد الجامعات والمعاهد (يو. سي. يو)، والذي يضم في عضويته أكثر من 120 ألف منتسب، دعم النداءات لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية، تضامناً مع الشعب الفلسطيني. وقد منعت حكومة النرويج الغواصات الإسرائيلية من دخول مياهها الإقليمية، بسبب مشاركتها في حصار غزة. في أمريكا كنائس تقاطع إسرائيل، وتدعو أتباعها إلى سحب أي استثمارات لهم فيها، وهناك جامعات أمريكية عديدة، تحمل على إسرائيل وسياستها تجاه الفلسطينيين. كبّدت المقاطعة الأوروبية للمنتجات الزراعية الإسرائيلية الخاصة بالمستوطنات في الضفة الغربية الاقتصاد الإسرائيلي خسائر قدرت بستة مليارات دولار لعامي 2013 / 2014. فما بالك لو قاطع الفلسطينيون العمل في بناء المستوطنات والمزارع الإسرائيلية، ألا يؤدي ذلك إلى انهيار الاقتصاد الإسرائيلي؟ السؤال الواجب طرحه: لماذا السلطة الفلسطينية ما برحت تتعامل بالعملة الإسرائيلية وتصرف مرتبات رهطها بالشيكل بدلاً من العملة الأردنية، ولماذا لا تحل السلطة نفسها، وتجعل إسرائيل أمام الأمر الواقع، سلطة احتلال مسؤولة عن شعبٍ تحت الاحتلال. آخر القول: مطلوب من محمود عباس وسلطته فك الارتباط مع إسرائيل، واعتبار اتفاق أوسلو لاغياً ولا قيمة له، وأن المبادرة العربية انتهت صلاحيتها، وأن يعلن حل سلطة أوسلو مرة وإلى الأبد.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري