من بيروت إلى باريس..قطعان متوحشة

بعد أقل من أربع وعشرين ساعة على هجمات بيروت الإرهابية، ضرب الإرهابيون في قلب أوروبا، ليل العاصمة الفرنسية باريس تحول إلى جحيم، قرابة المئتي قتيل، ومئات الجرحى في المسرح والمطاعم وعلى أبواب ملعب باريس الكبير.

في الهجومين أوجه شبه كثيرة؛ التقارب الزمني بين العمليتين، واستهداف تجمعات مدنية في “برج البراجنة” وباريس، واعتماد أسلوب الانتحاريين، إلى جانب هجمات المسلحين في بعض من هجمات باريس. والأهم من ذلك التوسع النوعي في العمليات إلى خارج مناطق الصدام في العراق وسورية، واختيار ساحات تحمل من الدلالات ما يكفي حول أهداف تنظيم داعش؛ الضاحية الشيعية في بيروت، وعاصمة غربية تمثل كل ما ترمز إليه أوروبا في أيديولوجية التنظيم الإرهابي.

هجمات 14 تشرين الثاني “نوفمبر” في باريس ليست بحجم حدث 11أيلول “سبتمبر” في أميركا من حيث أعداد الضحايا، لكنها ترقى في نوعيتها ووحشيتها لأن تكون “سبتمبر” أوروبا يفوق ما سبق من هجمات إرهابية في لندن ومدريد وباريس نفسها.

وكما في باريس كذلك في بيروت، تدشن هجمات “داعش” عهدا جديدا في المسار الدامي للجماعات الإرهابية، جوهره نقل المعركة إلى خارج حدود “دولة الخلافة”، ففي الوقت الذي يخسر فيه التنظيم مناطق مهمة في العراق، ويرزح تحت قصف يومي في سورية، يشل قدرته على المناورة، انفلتت عناصر التنظيم كالوحوش لتضرب في شوارع بيروت وباريس.

وإذا صحت تقديرات وزير الخارجية الأميركي جون كيري-وهي نادرا ما تصح-من أن أيام “داعش” باتت معدودة، فإن التنظيم سيسعى بكل طاقته لنقل المعركة إلى الخارج، والانتقام بعمليات دموية في كل مكان تطاله يد الإرهابيين، لإرباك قوى التحالف الدولي، وروسيا التي توعدها التنظيم بهجمات مماثلة “قريبا جدا”، والتخفيف من الضغوط التي يواجهها مقاتلو “داعش” في العراق وسورية.

ولهذه الاعتبارات سنشهد في عديد الدول العربية والغربية، حالة  استنفار أمني غير مسبوقة كان من أسرع مظاهرها الانتشار الأمني الواسع في مدينة نيويورك، وعواصم غربية كبرى.

لكن، هل تكتفي هذه الدولة بحالة الدفاع عن النفس في مواجهة هجمة إرهابية غير مسبوقة،  أم أن بوسعها تطوير مقاربة جديدة وفعالة للهجوم على معاقل التنظيم في سورية والعراق؟ وكيف سيكون الرد داخل أوروبا التي “تنام” في مدنها مئات الخلايا الإرهابية.

ستتجه الأنظار في البداية إلى فرنسا التي أعلن رئيسها حالة الطوارئ في البلاد، في خطوة غير مسبوقة منذ خمسة عقود. وفي غضون أيام سيجتمع القادة الأوروبيون من جديد لتطوير حزمة جديدة من التدابير الأمنية القاسية تتجاوز ما تم اتخاذه بعد هجمات “شارل أيبدو”.

اجتماعات “فيينا” ستبدو في قادم الأيام مجرد خلفية لمسرح الحرب الكونية مع الإرهاب. وليس مستغربا أن تكون هجمات باريس وبيروت رسائل للمجتمعين هناك لقطع الطريق على أية فرصة لتسوية الأزمة السورية سياسيا.

ينبغي على العالم كله أن يشعر بالقلق، فما من دولة بمنأى عن الخطر. الذئاب المنفردة، تحولت إلى قطعان متوحشة، تهاجم بوجوه مكشوفة كما ظهرت في بيروت ومسرح باريس، لم تعد تخفي حقيقتها، وهي تخوض حربا لا خيار فيها سوى الموت.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري