يعكس كل من قرار تشكيل لجنة خبراء لمتابعة المشروع النووي الأردني برئاسة رئيس الوزراء الأسبق معروف البخيت؛ وقرار تشكيل مجلس إدارة الشركة الأردنية للكهرباء النووية برئاسة رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، دعما سياسيا للمشروع الأردني.
دلالات التعيين والتشكيل أنهما يعكسان قوة الإرادة المتوفرة للمضي في تنفيذ المشروع. كما أنهما يؤكدان اهتمام القائمين عليه بتقديم أعلى مستويات التطمين للرأي العام الأردني، لاسيما الشريحة القلقة من مخاطره؛ فليس ثمة ما يشير إلى ذلك بوضوح أكثر من تشكيلة لجنة الخبراء.
اللافت في الأسماء التي تضمها “اللجنة”، والتي يفترض أن تجتمع مرة واحدة سنويا، وتقدم تقرير تقييمها للمشروع، أنها أولا، لا تضمّ مواطني دول على علاقة مباشرة بتنفيذ المشروع النووي الأردني؛ تطبيقا لمبدأ عدم تضارب المصالح. فمثلا، لا يوجد أعضاء من فرنسا أو كوريا الجنوبية أو روسيا.
أما الجانب الثاني، والذي لا يقل أهمية عن سابقه، فيتعلق بالخبرات الكبيرة التي يمتلكها الخبراء والعلماء السبعة المختصون بالعلم النووي؛ إذ يضمون مفتش الطاقة الذرية في بريطانيا، ورئيس اللجنة الدولية لدراسة حادثة فوكوشيما باليابان، ورئيس هيئة تنظيم الطاقة النووية الأميركية، ورئيس مختبر سيرن العالمي للتجارب النووية في سويسرا، ونائب رئيس وكالة الطاقة الذرية لعشر سنوات، ونائب وزير الطاقة الأميركي، وأخيرا مفوض الطاقة النووية الياباني.
فمتابعة هكذا خبرات للمشروع النووي الأردني، تمثل خطوة كفيلة بضمان أعلى شروط السلامة والالتزام بالمتطلبات الدولية ومعايير السلامة البيئية، وبما يوفر بالتالي ردا على كل الملاحظات الفنية التي تَرد من المناوئين للمشروع، وتبقيه على الطريق الصحيحة.
أما المسألة الأخرى، فترتبط بالرد على التشكيك الإقليمي بنوايا الأردن بشأن مدى سلمية مشروعه النووي. وهو التشكيك الذي يأتي من إسرائيل تحديداً، والتي ما تزال تسعى إلى إعاقة الطموح الأردني على هذا الصعيد وعرقلته، من خلال ممارسة ضغوط على الدول الكبرى وإثارة مخاوفها من حيازة المملكة للطاقة النووية، عبر ادعاء إمكانية تطوير المشروع مستقبلا لغايات إنتاج السلاح النووي. وما ذلك إلا افتراءات تختلقها إسرائيل علها تجهض المشروع الأردني.
أما الآن، فإن وجود هذا العدد من الخبراء العالميين، سيزيل حتماً أي شك بشأن سلمية المشروع، ويؤكد ما قاله الأردن منذ اليوم الأول، بأن مشروعه سلمي خالص، يهدف إلى إنتاج الطاقة لا غير، وبما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة.
ثمة نقطة أخرى تتصل بخلق الثقة العالمية بالمشروع النووي الأردني، وهي فتح الباب مجددا للحصول على حق المملكة المؤجل، لكن لم يتم التنازل عنه أبداً، وهو تخصيب اليورانيوم. إذ ترفض الولايات المتحدة حتى الآن الإقرار بهذا الحق الأردني، وما تزال الاتفاقية بشأنه معلقة بين الطرفين.
الخطوة الثانية التي تؤكد أن المشروع يسير باتجاه التطبيق، تبدو بتشكيل مجلس إدارة للمحطة النووية برئاسة الفايز، بما يعني مأسسة المشروع إداريا، مع تعيين شخصيات من المجتمع المحلي المعني بالمشروع.
المشروع النووي الأردني يسير بالاتجاه الصحيح. ويلزم اتخاذ مزيد من الخطوات للرد على أسئلة الرافضين له، ومنها: هل توقف العالم عن إنشاء مفاعلات نووية؟ وهل يمكن للأردن أن يخالف كل معايير السلامة التي تفرضها المؤسسات الدولية؟ وما هي الإجابات الشافية من القائمين على المشروع لتبديد المخاوف المتولدة عنه؛ إذ يبقى هذا النوع من المشاريع خلافيا وتتنازعه الآراء المتباينة؟
الرحلة أمام “النووي الأردني” ما تزال طويلة. لكن المضي فيه كمصدر إضافي وليس وحيدا للطاقة، إنما يخدم الأردن وأجياله المستقبلية.