عروبة الاخباري- خاص – كتب سلطان الحطاب – منذ فجر استقلالها نهجت سلطنة عمان نهجا ميزها عن غيرها من دول الجوار والاقليم حين اتخذت شعار الحياد الايجابي وعدم التدخل في شؤون الغير والدعوة باستمرار لتعميق مفهوم الاستقلال واحترام الجوار وتصفير الخلافات وتوظيف فائض السياسات لصالح المصالحات وبناء علاقات افضل ووضع الامكانيات المتاحة للمساعدة في حل مشاكل الاقليم وتاسيس رصيد لدى الدول الصديقة والباحثة عن حلول لمشاكل عالقة او طارئة ..
صعد نجم السياسة الخارجية العمانية نتاج روافع داخلية تكونت من الرضى الشعبي والتفاف الشعب العماني حول قائده الذي اعطاه ما كان يعمل من اجله وهي الحرية والكرامة والعيش الوفير . ومن سياسات تنموية عميقة ومثمرة لمس المواطن ثمارها وعاش وشارك في تجربتها ومن ولاء وطني صنع السلطان نموذجه حين كرس حياته وجهده وماله ليكون كل ذلك في بناء السلطنة الحديثة المستندة الى جذور تاريخية راسخة .. هذا الموروث وهذه المعاصرة حيث تشكل البنية الاجتماعية السياسية العمانية الداخلية التي انعكست عن سياسة عمان الخارجية ..
لقد كابدت السلطنة منذ فجر استقلالها عام 1970 كثيرا من التحديات والقضايا المعقدة في تحدي العدوان عليها والذي استمر لعام 1974 وفي تحدي التنمية التي جرى شق مساراتها بصعوبة وفي تحدي اطماع الجوار وتصدير رؤيتهم ومفاهيمهم وحتى عقائدهم اليها ولكنها ظلت تتحصن من ذلك بوعي وظلت ترصد كل مطامح ومطامع للاخرين سواء كان ذلك مكشوفا او بين السطور. اذ لم تجز او تسمح سلطنة عمان لسياسات غير مقبولة او لا يتوفر فيها درجة الاحترام وعدالة الشراكة من ان تمر.
ومن هنا كانت مواقف سلطنة عمان عبر سياساتها الخارجية تعترض على بعض سياسات دول الجوار وعلى مواقف وقرارات داخل مجلس التعاون الخليجي الذي حاولت اطراف نافذة فيه رهنه لسياساتها، واتباعه للتدخلات الاجنبية التي فاقمت مشاكل المنطقة والاقليم وفي كل ذلك وامام كل ذلك نجحت السياسة الخارجية العمانية التي وصفت بالاعتدال واقر لها العالم اخيرا بالصوابية والرؤية الثاقبة وهناك امثلة عديدة على ذلك فالسلطنة لا تؤمن بالمزاجية او الانقلابية في سياساتها الخارجية كما لا تؤمن بالمداهنة او المجاملة او تسديد الفواتير ويستطيع المرء ان يتابع ذلك من خلال اعلامها الهادىء المتوازن الذي يسير في ركاب توجيهات السلطان ويترجم رؤيته ويدعو العمانيين بالواقعية ويساهم في حمايتهم من التطرف والغلو..
لسلطنة عمان سياسات واضحة مع ايران وهي سياسات تاريخية دافئة تحرص على فهم طبيعة المكان وتستفيد من خبرة وتجربة الزمان وقد اثمرت هذه السياسات ليس على المستوى الثنائي من خلال نتائج الزيارات المتبادلة بين القياة العمانية حيث زار السلطان ايران اكثر من مرة والايرانية حيث زارت قيادات ايرانية ابرزها واخرها الرئيس روحاني مسقط وكان فائض نتائج هذه الزيارات يوظف لصالح الاقليم ومشاكله وقضاياه وحتى لصالح قضايا عالمية وكان من ثمار هذه السياسة لقاءات اميركية ايرانية كان لها ما بعدها مما ساهم في انجاز الاتفاق النووي الايراني مع دول الغرب ومن تخفيف التوتر ونزع فتائله في الحرب الباردة الغربية – الايرانية ومما اكسب المنطقة المزيد من الاستقرار وتفويت فرص الانفجار والعدوان والتدخل ومازال الامر ساريا فسياسات السلطنة تعمل على نزع الفتيل اليمني وهي تدرك من وراءه ومن يؤججه ولماذا ..
ولذا عملت السياسة العمانية على دعوة الاطراف اليمنية في وقت مبكر من الصراع الحالي في اليمن وبصرت القيادات اليمنية بما عليها ان تعمله من اجل سلامة اليمن ووحدة اراضيه ومن اجل منع التدخل الاقليمي والخارجي في شؤونه وكانت السلطنة قد تفهمت الربيع اليمني وتابعته وحاولت العمل على عدم تلويثه ولكنها فوجئت بالحرب على اليمن وفي اليمن ولم يتوقف دورها لوقف هذه الحرب الضارة والمشؤومة منطلقة من انها دولة جوار لليمن تحرص على امنها الوطني باعتباره امتدادا لامن الجوار وايضا حتى لا تتعمق الثارات وكمائن الكراهية بين دول الجوار وحتى لا تؤدي الحرب الى صراعات مذهبية وطائفية واثنية وطبقية
السياسة الخارجية العمانية اثرت ايضا من اندفاعة كثير من دول المنطقة والاقليم لتسبب لها التفكير مليا فيما هي مقدمة عليه . ولذا وجد اليمنيون المتصارعون قبل الحرب على اليمن طريقهم الى مسقط التي قدمت لهم رؤية للسلام وحقن الدم . كما توجه اليمنيون الى مسقط ايضا بعد وقوع الحرب عليهم وعلى بلادهم وحتى الاطراف التي شنت الحرب في تحالفات دفترية او بمفردها ادركت بعد زمن وبعد خسائر كبيرة ان حكمة مسقط مازالت ماثلة ومازالت برسم الاستخدام ولذا وجد “الجبير” وزير الخارجية السعودي طريق مسقط جابرة” للخواطر” وواعية لحقن الدم مبعدة “لمنشم” تلك المراة الجاهلية التي كانت توزع الفتن بين القبائل العربية قبل الاسلام لتقتل وتستمر في الحرب حتى يتفانى المتقاتلون وذلك بان تدعو زعماء القبائل ان يغمسوا ايديهم في جفنه الدم ويبايعوا على الحرب . “منشم” هذه لا مكان لها في مسقط ولذا فان مسقط تروج للسلام وتدعوا اليه وتجد فيه تجارة لن تبور ولذا فانها تدعو لمثل ذلك ولذا قصدها “الجبير” حين رآها قادرة على “جبر الخاطر” “وجبر المجبورين” اي الذين فقد لهم قتلى ومكلومين وثكل فيهم الكثير ..
ولان مسقط بسياستها ” جابرة ” وتجبر وتجير فقد امتدت يدها بالسلام ووصل وزير الخارجية العماني الى دمشق والتقى الرئيس الاسد شاقا الاجماع الخليجي المبني على الاختلاف ومؤمنا ان الامة في المجلس وحتى خارجه لا تلتقي على ضلالة ولا تجمع على شر .. ولذا كان لهذا الخرق والفتق ما اراح اطراف دولية عديدة باركت هذه الخطوة ونظرت اليها بعين الرجاء وهناك كثيرون ممن احبوا تقليدها او تكرارها ومازال يتردد ..
ان صوابية الرؤية العمانية عشية الاستقلال وهي الرؤية التي تحصن نفسها في الداخل بتوسيع المشاركة واجراء الانتخابات وتعميق عمل المؤسسات واعطاء المزيد من الحريات تبرز الان على الصعيد الخارجي فالوساطة من اجل حقن الدم في اليمن وانهاء الصراع واعادة بناء الدولية اليمنية ووقف العدوان عليها قائم والوساطة العمانية من اجل حقن الدم السوري واعادة ترميم الجراح الغائرة في الجسم السوري الذي فرقته الصراعات والتدخلات الخارجية التي احصت اكثر من (58) تنظيما مسلحا وغير مسلح تتصارع على الارض السورية بما في ذلك اجهزة مخابرات لدول عديدة كل ذلك وكما ترى عمان يجب ان يتوقف وان يكشف اذ ادركت عمان من اليوم الاول للصراع في سوريا ان الحل لا يكون الا سلميا وبالحوار وهذا ما صرح به لي وعبر برنامج تلفزيوني ( حوار مع كبار ) وزير الدولة للشؤون الخارجية العماني يوسف بن علوي وما اكده في حوار وزير الاعلام الدكتور عبد المنعم الحسني وما اصله بالفتوى العميقة والرؤية الاسلامية السمحاء الشيخ احمد الخليلي مفتي سلطنة عمان ..
في الرصيد العماني من السياسة الخارجية مصالحات عديدة بين دول وبين دول واحزاب ومنظمات وحتى بين خاطفين لابرياء لاعادتهم الى ذويهم الكثير ولذا ظلت السياسات العمانية متزنة ومتوازنة فهي تستقبل الرئيس الايراني روحاني وتستقبل الرئيس التركي اوردغان حين كان رئيسا للجمهورية او للوزراء وهي تستقبل القيادات الاميركية وقيادات من مجلس التعاون ومن اليمن ومن فلسطين والاردن . وكلهم يروا في السياسات العمانية الوسطية والجدية والديناميكية والقدرة على الحركة والعمل على تحقيق مصالح كل الاطراف وارضائها ..
الرصيد العماني الوفير والملموس في السياسات الخارجية لفت انتباه العالم وتقديره وهو يزداد قيمة مع وصول يوم الاستقلال الـ(45) فهنيئا لعمان ما انجزت وهنيئا لها بالتمتع بالحكمة وبدور سلطانها في ذلك ..