حكومة فقيرة وشعب ثري/ بقلم: فهد الخيطان

حكومة فقيرة وشعب ثري. تلك هي الخلاصة العجيبة التي يتوصل إليها المرء عند مطالعة الصفحة الأولى من “الغد” يوم أمس. تقريران صحفيان حملا المعنى المذكور؛ الحكومة تقترض نصف مليار دولار، وأردنيون يشترون عقارات بنصف مليار دولار في دبي.

وزير المالية في “الحكومة الفقيرة”، كان قبل أيام يقوم بجولة تسويقية -مصطلح مخفف لتجنب القول الصريح- ليقترض مبلغ 500 مليون دولار لتغطية دين (سندات) يعود لعهد حكومة سابقة. وبعد التأكيد على أن ما تحقق يشكل “نجاحا يعكس ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني”، تذكّرنا نشرة وزارة المالية بأن الدين العام للمملكة ارتفع في نهاية حزيران (يونيو) 2015 عن مستواه العام 2014 بمقدار 831 مليون دينار، ليصل صافي الدين العام قرابة 22 مليار دينار.

في المقابل، وخلال تسعة أشهر فقط، ضخ 747 مستثمرا أردنيا مبلغ 544 مليون دولار لشراء أراض وعقارات في دبي، متصدرين بذلك قائمة الدول العربية غير الخليجية من ناحية قيمة الاستثمارات في هذا القطاع بإمارة دبي، حسب كشف دائرة الأراضي والأملاك في الإمارة.

لا يتوقف حضور الأردنيين في هذا القطاع على دبي؛ فقد اتجه المئات، في الآونة الأخيرة، إلى شراء العقارات في العديد من الدول الأجنبية، خاصة قبرص واليونان، ودول غربية أخرى. والظاهرة في تنام خلال السنوات القليلة الماضية، مدفوعة بحالة عدم الاستقرار التي تشهدها الدول المحيطة بالأردن، وسعي رجال الأعمال، وبعض الفئات المتقدمة من الطبقة الوسطى، إلى تأمين إقامة دائمة في دول أجنبية.

لكن ثراء فئات اجتماعية تتملك شققا وعقارات في دبي وسواها من البلدان، لا يعكس الوضع الاقتصادي لعموم الأردنيين. فمهما بدت الأرقام صادمة، إلا أن أصحابها لا يمثلون سوى شريحة محدودة جدا من المواطنين.

المهم في الظاهرة، وغيرها من ظواهر الثراء الاستثنائي في الأردن، أنها تسلط الضوء على عمق الفجوة الطبقية الآخذة في الاتساع، وتركز الثروة الشديد بيد فئات اجتماعية محدودة، فيما الأغلبية الساحقة تكافح من أجل تأمين أبسط احتياجات العيش الكريم.

الأثرياء غير مسؤولين عن هذا الاختلال، بل السياسات الاقتصادية والأساليب التي أدارت بها الحكومات المتعاقبة الاقتصاد الوطني.

ليس طبيعيا في بلد مثل الأردن أن تفوق ثروة بضعة أشخاص حجم الموازنة العامة للدولة. ثمة مشكلة، لا بل مشاكل لم ننجح في التغلب عليها. خلال أشهر مضت، طالعتنا إعلانات في الصحف تعرض على الأردنيين تملك شقة في مشاريع إسكانية بدبي، لا تختلف قيمتها كثيرا عن أثمان الشقق في الأردن. ومع سلة الحوافز الكبيرة للحياة في دبي، يصبح منطقيا بالنسبة للكثيرين التفكير جديا بتملك منزل هناك، خاصة رجال الأعمال والعاملين بوظائف متقدمة في دولة الإمارات العربية.

في الدول التي تعاني من تشوهات في نموذجها الاقتصادي كالأردن، تبرز مثل هذه الظواهر؛ نمو كبير في ثروة الأفراد، يقابله حكومات غارقة بالديون.

هل في جعبة الاقتصاديين أفكار وحلول لمعالجة هذه الظاهرة؟

Related posts

قمة الرياض… قمة فاصلة، فهل تنجح وكيف؟

قمة الرياض وتحولات جيواستراتيجة* الدكتور أحمد الشناق

لا نريد كلاما* ماهر أبو طير