في الذكرى 3 لغياب حبيب الزيودي

محمد داودية

.. الأحباء قليلا ما أقاموا
يجب ان تعلموا ان شاعر الاردن العملاق وعازفها المتفرد حبيب الزيودي قد تم ظلمه ظلما فادحا.
ويجب ان يتذكر عقل بلتاجي امين عمان ان فتى الأردن الذي غنى لعمان فاغناها وجعلها على كل لسان، لم يحمل أي زقاق او مرآب حتى اسمه الغالي على قلوبنا.
والحوارات المسجلة الطويلة التي لدي مع حبيب الزيودي تكشف عمق مأساته ومعاناته.

* * *
كان الباب مشرعا والجلسة السياسية الرمضانية منعقدة حين دلف حبيب الزيودي وسالم خزاعلة واتخذا مقعدين وساهما في الحوار السياسي الذي حرصت على ان تتكافأ فيه كفتا الرأي والرأي الآخر.
عندما تحدث حبيب عن المستقبل جاء حديثه مزيجا فاتنا وخليطا فريدا من السياسة والأدب، خلت انه سيتحدث عن وصفي وحابس وصايل الشهوان وحمدان الهواري !
كان مسكونا بصديقه المرحوم حمدان ومفتونا به، كان حمدان ذائبا فيه ومستقر في اعماقه. كان حمدان ذنْبُه وفخره، كان نموذجه وكان بوصلته التي ظل يخبئها في قلبه ثم يسحبها فيجلوها الى ان تشع وتغمر دربه بالضياء.
كان حبيب مغوارا، منهمكا، سريعا، ومنهكا، معتدا بشعره وبالعالوك، وشيئا فشيئا اخذ يتأهب للطفيلة، كان يقول لي: «يا اميري أنا أعد العدة لأبلغ قامتها ولإبلغها السلام والرضى».

* * *
اعطاني عشرات المواعيد وكان ظنينا في تلبيتها.
– سأزورك في جاكرتا وسأحل ضيفا عليك لمدة 10 ايام اروي خلالها ظمأ روحك الى الشعر والشجر والقصيد.
– سأزور الطفيلة معك لألقي اجمل القصائد في بلد تيسير السبول.
– سأحضرمعك لقاء اصدقاء الفيسبوك في منزلك او المركز الثقافي الملكي وسألقي قصيدة وسأحضر عازفا.
– سأبني صيوانا في العالوك وسأرتب مع اصدقائنا امجد القهيوي وماجد القطارنة «الوقائع».

* * *
تحاورنا على الفيسبوك عشرات الساعات وعدة اشهر وانا في جاكرتا، وقد تمكنت مؤخرا من استخرج نصوص احاديثنا من الفيسبوك التي سانشرها دون تحييد الغضب والسخط على الجحود وعلى الوظيفة التي «نالها» ابرز شعراء الأردن منذ الحارث الثالث والى الابد.
حرم شاعر الأردن من جائزة الدولة في حين منحت لمن لا يطاولونه ولم يحصل على الدرجة العليا في حين نالها من لا يدانونه.
خنقته الغصة على المآل الوظيفي الجائر الذي حدد له فأوشك ان يتمرد تمردا لا قدرة لأحد على احتماله. باح لي بأدق التفاصيل عن حياته وعن طيشه وعن مغامراته وصبواته ومعاركه وعن مضطهديه الذين هجا بعضهم، ولم يسعفه الوقت لهجاء بقيتهم، واستودعني اسرارا شخصية حميمة سانشرها كلها في حينه.

* * *
احب حبيب ابني عمر وقال انه مقطع عرضي لجيله الذين» أعشقهم واهيم بهم واغبط الاردن الذي انجبهم» ووجه لي مئات القبلات على «تكوين عمر المثقف الحر».
وعندما دعاني الى المشاركة في برنامجه الاذاعي المخصص للحديث عن كاتب الاردن فهد الخيطان قال لي ان اللقاء القادم بعد الشيخ ارحيل الغرايبة سيكون معك، غير انه اخلف الموعد كما اخلف موعده مع جاكرتا ولقاءنا في الطفيلة ولقاءنا في العالوك.
وعندما دعا هايل العبيديين دولة الشيخ فيصل الفايز لزيارة الطفيلة قال له ابو غيث: سوف احضر مع «ابو عمر». فقلت: وسيكون ثالثنا حبيب الزيودي.
انسجم مع شباب الطفيلة على الفيسبوك وتفاعل مع جمال الحجاج «انا احب هذا الطفيلي المتدفق وطنية». وعندما تبين له ان خالد فايز القطاطشة قد قرأ دواوينه وقرأ له مقاطع من شعره على الهاتف اصابه الذهول واوشك ان يخرج من اللاب توب. قال لي «انا الذي لم يفه بعد بآية» كما قال تيسير السبول.

* * *
كان معلم نفسه، وقد طاول عرارا الذي لا يضاهي فضاهاه. اخذ من روح العالوك الضاربة في الشجر والثمر والغلال والجبال والحداء والرعاة والمطر والتهميش. واخذ من اسلافه الشعراء الماجدين، فهو من سلالة الشعراء ومن فخذ من عشيرته تسمى» الصحفيين».

* * *
في 31/ 5/ 2012 كتب حبيب في الرأي (رسالة الى محمد داودية) قال فيها: ((… اكثر ما كان يوجعني بعد الاتصالات الهاتفية القليلة معك، صوتك الواجد الذي لا يشبه اصوات السفراء، هذا الحرير المنساب من اللهجة الاردنية التي تختلف عن رطن السفراء وهذا الشوق وتلك الانفعالات التي تجعلني اشعر وانا استمع لك انك تعانقني….)).
(*) من اشعار تيسير السبول.

Related posts

صدور كتاب الأردن وحرب السويس 1956 للباحثة الأردنية الدكتورة سهيلا الشلبي

وزير الثقافة يفتتح المعرض التشكيلي “لوحة ترسم فرحة” دعما لأطفال غزة

قعوار افتتحت معرضها الشخصي “العصر الذهبي”