السؤال بطبيعة الحال بسيط ومتكرر: ما هو السر الكامن وراء الامتناع عن تزويد قانون الانتخاب الاردني بنص يسمح للمغتربين بالتصويت في الانتخابات العامة؟
الجواب المحتمل والاكثر رواجا على السنة السياسيين والنشطاء يحيل القضية مجددا لملف التوطين والجدل الديمغرافي على اساس ان اغلبية المغتربين من الاردن من أصل فلسطيني. الجواب الاخير قد لا يكون دقيقا ولا صحيحا لكن الجواب الاهم والادق هو كالتالي: يوجد في دول الخليج مئات الالاف من الأردنيين.
حساسية دول الخليج تجاه عدوى الديمقراطية والانتخابات تمنع المؤسسة الاردنية من تمكين المغتربين الذين يزيد عددهم مليون وربع المليون مواطن من حقهم الانتخابي. المغتربون الأردنيون يمولون شعبهم ودولتهم وبنوك بلادهم بمليارات الدولارات سنويا ويدفعون الضرائب ويديرون حلقة اساسية من حلقات الاستثمار والنشاط الاقتصادي.
لكن ذلك لا يشفع لهم ولا يوفر لهم نصا قانونيا يتيح لهم الاقتراع في انتخابات مملكتهم كما يفعل بقية خلق الله في كل الديمقراطيات العريقة والمبتدئة والديكورية والسبب بسيط هو مراعاة حساسية الجار الخليجي المهم لحالة يمكن ان يصطف فيها مئات الأردنيين على ابواب السفارات الاردنية في دول الخليج مرة واحدة كل اربع سنوات للإدلاء بأصواتهم.
الجار الخليجي لديه حساسية مفرطة من اي سلوك انتخابي و ايمان الاردن نظاما وشعبا ودستورا بالإصلاح السياسي والديمقراطية لا يكفي للمجازفة بإثارة صعبة لأن الثمن سيكون بالحد الادنى او قد يكون تعطيل او عرقلة واردات البندورة الاردنية إلى السوق الخليجية.
ايهما أهم البندورة ام الاستحقاق الدستوري؟.. سؤال افتراضي لا يريد أحد الاجابة عليه في عمان ليس فقط لأن الدولة لديها اجابة تناسبها ولكن ايضا لأن الشعب الاردني لا يؤمن بالإصلاح في الواقع ولا يتحدث عنه ولا يتظاهر في الشارع دفاعا عن حقه في التعبير او سعيا لدعم منهجية المواطنة.
لدي دليل على ذلك هو اللجنة القانونية في مجلس النواب التي وصل طول لسانها إلى ثلاثة اشبار وهي تناشد الجمهور المشاركة في اللقاءات التي تعقدها لنقاشات قانون الانتخاب.. كما يحصل في مدارس الحكومة في امتحانات الثانوية حيث تقفز للواجهة سنويا عبارة «لم ينجح أحد».. كذلك في اللجنة القانونية عندما تناشد الشعب الحضور لا يحضر احد ومن تيسر من الحاضرين يبدأ بخطاب عرمرمي ضد الحكومة والبرلمان معا وسرعان ما يتبين انه مرشح ويريد من مجلس النواب تفصيل قانون يناسب مقاسه الشخصي.
نقاشات قانون الانتخاب على اهميته في الحالة الأردنية تشبه تماما الانتخابات المصرية الاخيرة حيث لا يوجد ناخبون.. كذلك في الأردن تتحدث الدولة والنخب والاحزاب عن قانون الانتخاب وينشط المتسلقون والانتهازيون واصحاب المال السياسي الباحثون عن الترشيح في الوقت الذي لا يفكر فيه احد بالناخب الأردني نفسه كما يقول عالم الاجتماع الدكتور ابراهيم عثمان. عموما لا تقف الامور عند القاء او استخدام التهم التي تعيق الاصلاح الحقيقي عند حساسية الشقيق الخليجي من عدوى الانتخاب.
فعدم حسم الصراع العربي الاسرائيلي اعاق ولازال يعيق تعريف المواطن الاردني بما في ذلك داخل لجنة الحوار الوطني المليئة بالمفكرين والنشطاء السياسيين.
عندما تسأل عن سر غياب منهجية المواطنة في التفكير السياسي الجماعي بالأردن يأتيك الجواب المعلب وفورا بالاستناد إلى القضية الفلسطينية وضرورة حسمها ثم حسم الصراع التاريخي قبل الانتقال بالتفكير بالمواطنة ويحدث ذلك ورغم الفصام النخبوي الرسمي الذي يبلغك دوما بحلم رومانسي قوامه تلك العلاقة الكونية التي تعارفت عليها شعوب العالم بين الضريبة والحق في المواطنة والخدمة.
الاستخلاص هنا واضح لا سبيل لمنهجية المواطنة في الاردن بسبب اسرائيل التي تدس المخاوف يوميا في عقل الدولة الأردنية بعدما إطمأنت على الحدود بعد إتفاقية وادي عربة. ولا مكان للمغتربين في خارطة الاقتراع وصندوق الانتخاب بسبب حساسية الشقيق الخليجي.
متوالية الذرائعية لا تقف عند هذه الحدود فمن المعيب على الصحافة مثلا ان تتحدث عن استعمال الهرمونات المسرطنة في مبيدات الزراعة لأن ذلك ينتقص من الوطنية ويلحق ضررا بالصادرات الزراعية الاردنية.
وليس من الحكمة بالمقاربة الاستمرار في الحديث عن الفساد لأن الضرر يحيط هنا بقطاع الاستثمار ولا احد يريد القول بان الاستثمار غير ممكن اصلا بوجود الفساد وان وجود صحافة تلاحق الفساد وتتحدث عنه من مغريات استقطاب المستثمر.
اذا قلت في عمان بضرورة تخفيف قيود فك الارتباط على ابناء قطاع غزة من اصحاب رؤوس المال يحذرك الطرف الرسمي والأمني فورا من الوطن البديل وإذا قلت بان سلامة الصحة العقلية للدولة والمجتمع تتطلب التحدث عن المشكلات يلطمك الذرائعيون بالحديث المضجر الممل عن المسؤولية الوطنية.
واذا قررت التحدث بكل دبلوماسية عن ضرورة وقف تدوير النخب واستبدالها وتجديد الروح والطاقات تواجهك تهمة عبثية من وزن الاساءة للرموز الوطنية رغم ان هذه الرموز في الواقع هي التي تسيئ للوطن.
الخلاصة اقولها واجري على الله هي فقط ذرائع لإعاقة اي فكرة نبيلة واصلاحية تصلح لبناء المستقبل.