دلائل مشجعة على التغيير/ بقلم: مروان المعشر

لا يمكن تجاهل الإشارات العديدة التي صدرت في الآونة الأخيرة، على وجود تغيير إيجابي في وتيرة الإصلاح. جلالة الملك أرسل إشارات واضحة ومفاجئة في هذا المجال، كان أولها وقوفه ضد العديد من القوى المعادية للإصلاح داخل الدولة، وإيعازه للحكومة بإقرار قانون انتخاب يبتعد عن “الصوت الواحد المجزوء”، ويضع البلاد -وإن بالتدريج- على مسار جاد لتقوية المجلس النيابي باتجاه تطوير نظام من الفصل والتوازن.

وجاءت الإشارة الثانية حين قام جلالة الملك أيضا برد قانون اللامركزية، لأنه يتضمن مخالفة دستورية وخرج بصورة مشوهة من مجلس الأمة، ولم يحقق الغرض الأساسي المرجو منه، وهو إعطاء المحافظات الاستقلالية الإدارية والمالية المطلوبة لتطبيق أولوياتها، بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على السلطة المركزية في عمان. وها هو جلالته الآن لا يجدد لرئيس مجلس الأعيان بعد دورة واحدة فقط من تبوئه منصبه، وذلك على الأغلب لوقوفه ضد (مشروع) قانون الانتخاب، وقانون اللامركزية بأهدافه الأصلية.

ثلاث إشارات، بل أوامر ملكية، لا يمكن المرور عليها من دون التوقف مليا عندها؛ فهي غير مألوفة في الحياة السياسية الأردنية، وتشير برأيي إلى قرار سياسي من جلالة الملك بأن الوقت لبداية تغيير جاد في طريقة إدارة البلاد قد حان.

الصراع على وتيرة الإصلاح السياسي ليس جديداً في الأردن. وكانت الساحة السياسية الأردنية مليئة بمن اتسموا بالمحافظة السياسية، وآخرين ممن أرادوا التغيير وأصروا على الولاية العامة للدولة. فقد وقف دولة الرئيس الراحل بهجت التلهوني موقفاً محافظاً من أي وتيرة سريعة للتغيير، بينما كان للشهيد وصفي التل موقف مغاير وجريء من الإصرار على الولاية العامة، ومن تغيير حقيقي في طريقة إدارة البلاد على سبيل المثال. وكذلك الحال بالنسبة لأشخاص كانت لهم رؤى إصلاحية واضحة في التاريخ السياسي الأردني، وجدية في تطبيق مبدأ الولاية العامة؛ كسليمان النابلسي والشريف عبدالحميد شرف على سبيل المثال، مما أكسبهم احتراماً خاصاً لدى الأردنيين والأردنيات.

ما ميز الأشخاص والحقبات الإصلاحية الماضية، أنها كانت دوماً قصيرة الأمد، لأنها أتت معاكسة لتوجهات أغلب أركان الدولة ذات الاتجاهات المحافظة، وبالتالي كان من السهل حشد الجهود داخل الدولة لإسقاط تلك الأفكار الإصلاحية ومحاولة تشويه صورة أصحابها، وإقناع صاحب القرار بأن تلك التوجهات الإصلاحية سابقة لأوانها ولا تخدم الدولة ولا تعدو كونها “قفزات في المجهول”.

اليوم، مضى وقت طويل سيطرت فيه هذه العقلية على طريقة إدارة الدولة. وفي العقد الأخير، جاءت تفجيرات الفنادق في عمان العام 2005، ثم الثورات العربية العام 2011، لتدق المسمار الأخير في نعش الإصلاح، وتغلّب وجهة النظر الأمنية بمعناها الضيق.

القرارات، وليس الإشارات فقط، تبدو مختلفة هذه المرة، وكأن جلالة الملك يبعث برسالة واضحة أنه بالرغم من آراء معظم من هم في مركز صناعة القرار اليوم، باعتبار أن الآراء الأخرى الإصلاحية ابتعدت أو أبعدت، فإن جلالته مصمم على تسريع وتيرة الإصلاح باعتبارها الضامن الحقيقي للاستقرار والازدهار، وأن الحياة بحسب جبران خليل جبران “لا تقيم في منازل الأمس”.

فهل يلتقط من هم في مراكز صنع القرار اليوم إشارات جلالة الملك، أم يواصلون الإصرار على الوقوف أمام عجلة التاريخ؟

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري