السيناريو كان معدا من قبل على هذا النحو؛ الوسيط الأميركي جون كيري يعلن من عمان عن موافقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على “اتخاذ تدابير لتهدئة الأوضاع في محيط المسجد الأقصى”، ويلتزم بالإبقاء على الوضع القائم في المسجد، ونشر كاميرات “فيديو” على مدار الساعة لمراقبة جميع مرافق الحرم القدسي. وبعد نحو ساعتين، يخرج نتنياهو ببيان للصحفيين يعلن فيه التزام حكومته بهذه التدابير، وعدم نية إسرائيل تقسيم الحرم الشريف، واحترام الدور الأردني في رعاية المقدسات.
وفي صباح اليوم التالي (أمس)، يُصدر نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية ناصر جودة تصريحا، يؤكد فيه ترحيب الأردن بإعلان نتنياهو، ويعتبره خطوة في الاتجاه الصحيح.
إلى هنا ينتهي المشهد، وتتوقف عدسة الكاميرا عن الدوران، بانتظار ما سيحصل فعلا على الأرض.
حتى ساعات صباح أمس، لم تعلق السلطة الفلسطينية على الأمر. رئيسها محمود عباس كان في عمان، والتقى كيري، لكن لم يظهر أي مشهد له في سيناريو الأحداث. هل مطالب السلطة الفلسطينية هي نفس مطالب الأردن؟ هل كان عباس بصورة التفاهمات الأردنية الأميركية؟ ربما يكون سمع عنها من كيري، لكنه لم يجتمع بمسؤول أردني في عمان.
ليس مهما فتح هذا الملف الآن. السؤال هو: هل تسرعنا في الترحيب ببيان نتنياهو، فكان علينا الانتظار بضعة أيام للتأكد من صدق كلامه؟ الملك أعطى إشارة قوية في هذا الاتجاه، عندما ربط الترحيب بمدى التزام إسرائيل بتطبيق ما وعدت به.
كان واضحا أن الأردن، وبخلاف ما حصل في المرة السابقة، حرص على أن لا يصدر من طرفه أي تصريح بشأن التفاهمات، وترك الإعلان عنها لكيري ونتنياهو، حتى لا يتملص الأخير من تعهداته في المستقبل، كما فعل مرات عديدة من قبل.
لكننا في كل الأحوال، أمام تعهدات شفهية، وليس بين أيدينا أي وثيقة مكتوبة. الوثيقة الخطية هي فقط “الورقة” التي قدمها الأردن لكيري قبل أن يزور عمان، وتتضمن مطلبا صريحا وواضحا بالعودة إلى الوضع الذي كان قائما قبل العام 2000 في القدس، وحصر إدارة المقدسات الإسلامية في المدينة بيد وزارة الأوقاف الأردنية، وكف يد الشرطة الإسرائيلية نهائيا.
يطمح الأردن إلى أن تكون التفاهمات التي أنجزها كيري بداية تفضي في نهاية المطاف إلى العودة للوضع السابق.
لكن للفلسطينيين قائمة أخرى من المطالب، لم يأت كيري ولا نتنياهو على ذكرها، وفي مقدمتها رفع الحواجز، ووقف حملات التفتيش والاعتقال وهدم البيوت في القدس والضفة الغربية. وهي أسباب مباشرة لحالة التصعيد الشعبي في الأراضي المحتلة. ولا يمكن بأي حال فصل هذه المطالب المشروعة عن ملف الحرم القدسي الشريف، وكان من الضروري معالجتها كحزمة واحدة.
لقد تجنب الأردن خيار اللقاء الرباعي في عمان، ومن المرجح أن لا يقبل به في المرحلة المقبلة، في إشارة على تبدل جوهري في أسلوب إدارة العلاقة مع إسرائيل، والاعتماد بشكل أكبر على دور الوسيط الأميركي عوضا عن الاجتماعات المباشرة، التي كان يوظفها نتنياهو لصالحه.
نتنياهو كذاب من الدرجة الأولى، ولا يمكن الوثوق بكلامه. وعلينا الانتظار بعض الوقت قبل الترحيب، لحين التأكد من تنفيذ ما تعهد به بشأن الحرم الشريف والمسجد الأقصى، والكف عن السلوك العدواني والوحشي تجاه الفلسطينيين.
السيناريو لم يكتمل. وما شهدناه في عمان ليس المشهد الأخير.