اذا اعتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انه في الحرب التي يشنها على سوريا قادر على الذهاب الى النهاية في محاولة لتدمير المعارضة لنظام بشار الاسد وحسم الصراع لمصلحة الحلف الذي يضم روسيا وايران وبشار، فهو واهم، لأن الحل في سوريا يكون إما بهزيمة بشار ونظامه بالكامل، وإما بحل تفاوضي يقوم على المبادرات السابقة التي جرى طرحها منذ “جنيف – ١” سنة ٢٠١٢ واساسها قيام سلطة انتقالية تكون إما بديلا فورياً من بشار، أو بشكل متدرج بما يبقي على ما تبقى من اجهزة ومؤسسات النظام وبما يراعي مصالح روسيا وايران الى حد معين. إن اي تفكير من جانب بوتين بأنه قادر على الحسم هو وهم محض ولا يقوم على قراءة واقعية لقدرات روسيا، ولا لأهمية شبح “الأفغنة” الذي لا يقل وطأة على نفوس الروس من شبح “الفتنمة” على نفوس الاميركيين. فسوريا المشرعة على امكان تحولها ساحة لحرب عالمية بالواسطة قادرة على ان تصير بالنسبة الى روسيا خليطاً من “الافغنة” و”الفتنمة” معاً، وخصوصا اذا ما تدرج رد القوى الاقليمية المعنية بالثورة السورية من محاولة التفاهم مع موسكو الى اتخاذ قرار بالمواجهة الجدية. وقد كانت “تجربة” صواريخ “تاو” مجزرة للدبابات في ريف حماه وسهل الغاب في بداية العدوان الروسي، وهي بمثابة مشهد اولي لما يمكن ان يكون عليه الرد اذا لم يرفق بوتين حملته العسكرية بمسار سياسي مقبول.
بعد اكثر من ثلاثة اسابيع يمكن القول إنه جرى استيعاب الضربة الروسية، وكل الاطراف في ما عدا ايران، راغبون في الجلوس الى طاولة مفاوضات سياسية. بوتين يعرف من خلال قادة جيشه ان امكاناته محدودة في خوض حرب مباشرة طويلة الامد على ارض تبعد اكثر من الفي كيلومتر عن روسيا. وهو يعرف ان حلفاً دولياً – اقليمياً يواجهه على الارض هناك قادر على اغراقه في رمال متحركة اسوأ من افغانستان نفسها.
في المقابل تعترف دول الاقليم المعنية بأن روسيا فرضت نفسها لاعباً متقدماً في المعادلة السورية. والجميع من السعودية الى تركيا فقطر والامارات راغبون في سلوك طريق الحل السياسي مع بوتين اذا ما اظهر الاخير واقعية بتقديمه حلا سياسياً منطقياً ومقبولا أساسه التخلص من بشار وآل الاسد جميعا. أما إصرار روسيا على بقاء بشار والبطانة في الحكم أو حتى في المعادلة بنهاية الفترة الانتقالية فهو بمثابة دعوة صريحة الى حرب مفتوحة في سوريا.
إن الاتصالات السياسية التي بدأت منذ البارحة بين أربعة أطراف معنيين في فيينا باجتماع وزراء خارجية روسيا، اميركا، السعودية وتركيا هي بداية طريق طويلة نحو اقرار مسار سياسي يكون، اذا ما تحقق، بمثابة استراتيجية الخروج الروسي الناجحة للمرحلة المقبلة.
كل الاطراف اذا ما تواضعت طموحاتهم لديهم مصلحة في إطلاق مسار سياسي في سوريا. لكن الخيار المطروح هو إما خروج بشار وإما الحرب الطويلة. فهل يغلّب فلاديمير بوتين العقلانية والواقعية السياسية على عقدة الثأر من إهانات الغرب لبلاده منذ خسارتها الحرب الباردة؟
ali.hamade@annahar.com.lb