سميرحجاوي/الانتفاضة الفلسطينية الثالثة

انفجر الوضع الفلسطيني في وجه الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن وصلت الاعتداءات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته إلى مستويات غير مسبوقة، من حيث العنف والكثافة، بعد اقتحام الإرهابيين اليهود للمسجد الأقصى المبارك، دون أي اعتبار لقدسية هذا المسجد الذي يشكل محورا جامعا للهوية الفلسطينية الإسلامية العربية.
هناك حالة من الانقلاب الإستراتيجي التي تشهدها المنطقة، خاصة مع دخول روسيا على خط غزو سوريا، وانتقال الدب الروسي إلى “الحالة العملياتية” في تدخله في العالم العربي، وتحوله إلى طرف عسكري مباشر في الصراع الدائر، في محاولة للإعلان عن “الإمبراطورية” الروسية الجديدة التي ترث الأمجاد القيصرية القديمة، وامتدادات الاتحاد السوفييتي الشيوعي الذي سقط في أفغانستان تحت ضربات الشعب الأفغاني والمجاهدين العرب.
هذا الغزو الروسي المباشر لا يمكن فصله تماما عما يجري في فلسطين المحتلة والقدس والمسجد الأقصى، وما يجري في العراق ومصر وليبيا ومناطق أخرى، فالكيان الإسرائيلي جزء من حلف واسع في المنطقة يتمحور حول روسيا حاليا ويضم بشار الأسد العبادي وعبد الفتاح السيسي وخليفة حفتر وإيران وحزب الله والمليشيات الشيعية والأكراد، بالإضافة إلى دولتين عربيتين أخريين لم ينضما علنا لهذا الحلف، ربما تكشف الأيام المقبلة حقيقة موقفهما، في مواجهة الرفض السعودي التركي للاحتلال الروسي، وتصاعد التوتر بين أنقرة وموسكو، وحالة الشد التي صنعها الاحتكاك بين المقاتلات التركية مع مقاتلتين روسيتين انتهكتا المجال الجوي التركي، وتهديد الحكومة التركية بتطبيق قواعد الاشتباك وإسقاط أي طائرة روسية تدخل إلى الأجواء التركية.
هذه التحولات الكبيرة كانت في صلب اتفاقات إسرائيلية روسية للتنسيق العسكري، وعدم الاحتكاك، وتزويد تل أبيب بالمعلومات اللازمة عن الحركة الروسية في سوريا، وقد توج هذا الأمر بمباحثات عسكرية “روسية – إسرائيلية” و”روسية- أمريكية” جعلت من الكيان الإسرائيلي شريكا في “حلف بغداد الجديد” بقيادة روسيا.
هذه القراءة للأوضاع في المنطقة أعطت الكيان الإسرائيلي “أريحية” لتنفيذ مخططاتها القديمة بهدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه، الذي يعبر عن “ذروة” المخططات الإسرائيلية الصهيونية اليهودية والوصول إلى تحقيق المشروع اليهودي الأسطوري بإقامة “دولة يهودية” تحقيقا للأساطير والخرافات الإسرائيلية، وهو ما لن يسمح به الفلسطينيون إطلاقا.
في الوعي الفلسطيني تشكل القدس والمسجد الأقصى قضية شخصية لكل فرد من أفراد الشعب، وهو يشكل ملكية خاصة فردية لكل فلسطيني، حتى لو كان هذا الشخص لا يصوم ولا يصلي، وحتى لو لم يكن ملتزما دينيا، باستثناء محمود عباس ميرزا الذي يرى في القدس “مشكلة وصداع ووجع راس”، وهو الوحيد الذي يشذ عن الحالة الفلسطينية الجامعة، مما يطرح أسئلة عميقة وكبيرة حوله، فهو لا يرتبط بالقدس بأي رباط عاطفي، وهذا ما يظهر في خطاباته وكلامه وحركته في العالم.
هذا الوعي الفلسطيني الجامع حيال القدس والمسجد الأقصى هو المحرك للأحداث، وهو “شعلة” التصدي للمشروع الصهيوني كله المتمثل بالكيان الإسرائيلي المدعوم من اللوبيات اليهودية في العالم، ومن الإدارة الأمريكية وبريطانيا والدول الأوربية عموما، وحاليا انضم إليها علنا “روسيا” التي تأخذ بالاعتبار المخاطر التي تتعرض لها “إسرائيل”، ولذلك فإن “الجار” الروسي في سوريا سيحافظ على المصالح الإسرائيلية دون مساس وسيعمل على حماية حدودها من أي “اعتداءات إرهابية”.
ما يجري في فلسطين حاليا هو بداية نارية للانتفاضة الفلسطينية الثالثة، محركها هو المسجد الأقصى المبارك، الذي جعل من مظاهرة لشباب حركة فتح يهتفون “الانتقام الانتقام يا كتائب القسام” للرد على الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني اليهودي، الذي حان موعد رحيله عن فلسطين.
قواعد اللعبة تتغير في سوريا، لكنها تتغير أيضا في فلسطين، وعندما تتغير في فلسطين فهذا يعني أن كل المعادلات في المنطقة هذه المرة ستتغير أيضا.

شاهد أيضاً

رسائل بالأسلحة وردود راشدة* د.منذر الحوارات

عروبة الإخباري – غرق شهر نيسان هذا العام بالترقب والتوجس وتوقع ما هو أسوأ وربما …

اترك تعليقاً