عروبة الإخباري- عشر سفن ومدمرات روسية قبالة السواحل السورية. الأسطول الروسي الأكبر منذ عقدين يحتشد لنقل الحرب الصاروخية، من قزوين إلى البحر المتوسط.
الرسائل الروسية «الصاروخية» العابرة للقارات، والتي انطلقت من أربع سفن روسية على الساحل الشرقي لبحر قزوين، أضافت إلى العاصفة الروسية التي تهب على المشرق العربي، بعداً قارياً وحدودياً روسياً مباشراً.
وتقول مصادر روسية إن الصواريخ الستة والعشرين، التي عبرت 1500 كيلومتر، وأجواء إيران والعراق، قبل تدمير 11 هدفاً لتنظيم «داعش» في الشرق السوري، هي الوجبة الأولى من سلسلة وجبات أخرى، يعتزم الروس استخدامها كلما دعت الضرورات التكتيكية إليها، لضرب أهداف معقدة ومحصنة في منطقة الرقة وحلب وادلب.
وكان تنظيم «داعش» والمجموعات المسلحة قد أعادوا، إثر الموجة الأولى «لعاصفة السوخوي»، نشر قواتهم ومخازن أسلحتهم وذخائرهم، استعداداً لحرب طويلة.
وتنضم الصواريخ الروسية العابرة للقارات إلى الحرب على الإرهاب في سوريا، من بوابة توزيع الرسائل والتحذيرات، التي لم تتوقف منذ الإعلان عن الانخراط الروسي في سوريا، باتجاه القوى الإقليمية المتورطة في الحرب على سوريا، ومن بوابة الطمأنة، باتجاه الحلفاء.
إذ لا مبرر تكتيكياً لاستخدام هذه الصواريخ «الجوالة» التي تطير على ارتفاع منخفض، متبعة تضاريس الأرض التي تحلق فوقها، بسبب كلفتها العالية بالمقارنة مع ضربات القاذفات المقاتلة من «السوخوي 24 و25»، التي تصطف على مسافة أقرب إلى الرقة، من بحر قزوين، على مدرج مطار حميميم. وكان بوسع الروس ضرب الأهداف نفسها في الرقة وحلب وادلب بصواريخ طائراتهم الموجهة بالليزر، والتي تتمتع بدقة أكبر في إصابة أهدافها.
ويعكس اختيار الصواريخ البعيدة المدى على «السوخوي» لضرب هذه الأهداف، قراراً روسياً بمواصلة استعراض الإرادة الروسية بحشد كل الإمكانيات في المعركة، وتوجيه رسائل تندرج في إطار عملية تحييد القوى الإقليمية، وشد عصب الأصدقاء أكثر مما تندرج في إطار عمليات تكتيكية. وتحمل صواريخ قزوين رسالة إلى الأتراك مع احتدام النقاش، واحتجاج أنقرة على الاختراق المتكرر لـ «السوخوي» الروسية، المقصود، لأجواء الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، ومفادها أن الروس سيواصلون غاراتهم من دون توقف لتحقيق أهدافهم بتدمير البنى التحتية للتجمعات التي تموّلها وتسلحها تركيا والولايات المتحدة، وأن تقريب تجمعات المعارضة من المعابر والحدود التركية – الأطلسية لم يثنِ «السوخوي» عن ضرب أهدافها.
وتحمل الحرب من مياه قزوين على «داعش» في الرقة السورية رسالة إلى الداخل الروسي. إذ يحوّلها إطلاق الصواريخ من المياه الإقليمية الروسية، ومن بوارج البحرية أحد أكثر أسلحة الجيش الروسي رمزية، إلى حرب «وطنية» يشنها الروس من أرضهم وبحرهم مباشرة ضد «الجماعات الإرهابية» في سوريا.
ويقول ديبلوماسي غربي، التقى مسؤولاً أمنياً روسياً كبيراً أمس، إن العمليات الروسية ستتصاعد وتيرتها وتستمر خلال الشهرين المقبلين من دون توقف، مع إقفال كل المسارات السياسية، والتفرغ لإجراء تعديلات جوهرية، على ميزان القوى في سوريا. ويقول المسؤول الروسي إن معادلة توزيع السيطرة التي فرضتها القوى الإقليمية قد انتهت، وان الجيش السوري سيحشد أكثر من 120 ألف مقاتل في أربع فرق من الجيش، في عمليات تتركز على استعادة مدن وبلدات في جبهات حمص وحلب وحماه وادلب، وتأمين الطرق الإستراتيجية بينها، وصيانة ممرات إمداد الجيش.
ويتوقع الروس أن يسيطر الجيش السوري وحلفاؤه على مناطق جديدة خلال الشهرين المقبلين، بعد اختبار التنسيق بين البر السوري والجو الروسي في العمليات التي بدأت على نطاق «اختباري» في ريف حماه الشمالي. إذ شن الجيش السوري في هذه المنطقة، هجومه البري الأول بتغطية جوية روسية كثيفة، واستطاع استرجاع 70 كيلومتراً على محور مورك، و20 كيلومتراً على محور قلعة المضيق في اليوم الأول من المعارك. وتتجه قواته شمالا نحو تلتي الصياد والهواش، التي ستمكنه السيطرة عليهما من نشر نيرانه على كامل الريف الجنوبي لإدلب، ودعم الجناح الشرقي لقواته في سهل الغاب، وتسهيل عملية محتملة نحو جسر الشغور.
وأعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال اجتماع مع وزير الدفاع سيرغي شويغو، أن ضربات الطيران الروسي في سوريا ستتكثف دعماً لهجوم بري يشنه الجيش السوري ضد «داعش»، وذلك بعد أسبوع على القصف وضرب 112 هدفاً.
وقال بوتين «ندرك مدى تعقيد عمليات من هذا النوع ضد الإرهابيين. وبالتأكيد لا يزال من المبكر استخلاص نتائج لكن ما تم القيام به حتى الآن يستحق تقديرا جيدا»، مشيرا إلى أن الجهود الروسية «سيتم تنسيقها مع تحركات الجيش السوري على الأرض، وتحركات قواتنا الجوية ستدعم بفعالية هجوم الجيش السوري».
ويستغل الروس غياب أي رد فعل منظم ومنسق من القوى المعادية لهم في سوريا، وإحجامها حتى الآن، على مجرد تنظيم اجتماع واحد، للنظر في توحيد المواقف والتكتيكات، وإصابتها بالارتباك والضعف.
واختار الروس لحظة مؤاتية إقليمياً ودولياً للدخول إلى الميدان السوري، مع انشغال السعودية في حربها اليمنية، وانشغالها بصنعاء وعدن، بعيدا عن دمشق. كما ينشغل الأتراك بحربهم المستجدة ضد «حزب العمال الكردستاني»، وانتخابات تشريعية مبكرة، لا تلوح منها، كما تقول استطلاعات الرأي، أي بارقة أمل لفريق الرئيس رجب جب طيب أردوغان، بالعودة وحيدا إلى حكم أنقرة، والتفرغ للملف السوري. وتتجه الإدارة الأميركية إلى تقاسم جزء من أهداف الحملة الروسية ضد «داعش» في سوريا، فيما لا تبدي اعتراضاً جدياً على انخراط روسيا في الحرب السورية، التي تأمل منها في المقابل استنزافاً جديداً لموسكو بعد جبهة أوكرانيا.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، في روما، ان واشنطن لا تتعاون مع موسكو بخصوص الضربات الجوية. وقال «لقد قلت سابقا إننا نعتقد أن روسيا تعتمد الإستراتيجية الخاطئة. إنهم يواصلون ضرب أهداف ليست لتنظيم الدولة الإسلامية. نعتبر ذلك خطأً جوهرياً». وأضاف «رغم ما يقوله الروس، لم نتفق على التعاون مع روسيا ما داموا مستمرين بإستراتيجية خاطئة وبضرب هذه الأهداف».
وأعلن المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جيف ديفيس أن طائرة حربية تابعة للتحالف اضطرت لتغيير مسارها مرة واحدة على الأقل في الأيام الستة الأخيرة لتجنب مواجهة عن قرب مع طائرات روسية.
ويقول المسؤول الروسي إن احتمال أن تقوم القوى الإقليمية، التي تقف وراء المعارضة، بتزويد جماعاتها بصواريخ مضادة للطائرات أمر وارد، وهو ما تعكسه التهديدات بتحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة. وكانت الاستخبارات الأميركية قد عمدت إلى تزويد «الجهاديين» الأفغان والعرب بصواريخ «ستينغر» المضادة للطائرات، خلال الحرب التي قادتها وموّلتها الولايات المتحدة وباكستان، ضد الجيش الأحمر السوفياتي في الثمانينيات، وأمضت أعواماً طويلة تحاول استرداد ما تبقى منها في أيديهم وشراءها من قادتهم، خوفاً من سقوطها بيد «القاعدة»، والجماعات التي أفلتت من سيطرة الاستخبارات السعودية والأميركية.
وبحسب المسؤول الروسي، سيعتبر الروس أي عمل كهذا إعلان حرب على القوة الروسية في سوريا، وستكون أي منطقة أو جماعة مزودة بصواريخ مضادة للطائرات هدفا لعملياتنا، التي لن تتوقف على بحر قزوين، بعد احتشاد الأسطول الروسي المتواصل في الأبيض المتوسط.(السفير)