السؤال عن مدى قدرة الأردن على الصمود كدولة ونظام، صار خلف ظهورنا. السؤال المطروح حاليا، وعلى مستوى دولي: ما الذي يمكن عمله لإدامة الاستقرار في المملكة، وسط إقليم يموج بالصراعات والحروب؟
“نريد مساعدتكم، ماذا تقترحون في هذا الصدد؟”؛ هذه العبارة تكررت على مسامع جلالة الملك والوزراء وكبار المسؤولين الذين رافقوه في نيويورك. وكان يتبعها في العادة نقاش مستفيض مع قادة دول ووزراء أجانب حول شجون وهموم أردنية كثيرة، تستدعي من المجتمع الدولي مد يد المساعدة.
ثلاث خلاصات مهمة غيرت الانطباعات حول الأردن، وبددت القلق على مستقبله، لا بل ومنحته وضعية تفضيلية لدى الحلفاء والأصدقاء في العالم.
الأولى: نجاح النظام السياسي في تخطي مرحلة “الربيع العربي” من دون خسائر تقوض الاستقرار الداخلي، وإنجاز حزمة إصلاحات حظيت بقبول الأغلبية.
الثانية: ثبت، وبالتجربة المريرة، أن كلفة إدامة الاستقرار في الأردن، ومهما بلغت، لا تقارن بأي شكل من الأشكال مع الكلف المترتبة على مواجهة الفوضى والصراعات في دول أخفقت أنظمتها في إدارة صراعاتها الداخلية.
كم كلفت الأزمة في سورية الولايات المتحدة والدول الغربية؟ وكم تكلف الخليج العربي لاستعادة الاستقرار في مصر؟ كم تكلف الحرب في اليمن والعراق وليبيا؟
الأردن كان خفيف الظل على حلفائه؛ لم يطلب الكثير، ونال القليل. مع ذلك، تمكن من المحافظة على استقراره.
الثالثة: استقرار الأردن كان له أثر بالغ في التخفيف من المعاناة الإنسانية الناجمة عن الصراعات في دول الجوار. لقد تحول إلى ملاذ آمن لمئات الآلاف من اللاجئين. أدرك الأوروبيون قيمة هذا الدور بعد أن عاشوا بأنفسهم تحدي اللجوء مؤخرا، وما يعنيه من مخاطر وتحديات.
تلك المعطيات هي التي تدفع بالكونغرس الأميركي حاليا إلى الاستعجال في إقرار قانون يمنح الأردن مكانة متقدمة في برنامج المساعدات، وهي التي تجعل قادة دول أوروبية كبرى أكثر عزما وتصميما على تبني مبادرات لتقديم مساعدات عاجلة للأردن. حتى روسيا لم تعد قلقة على استقرار الأردن، وتمضي في خطط الشراكة لبناء مفاعل نووي لأغراض سلمية، مكرس لإنتاج الطاقة.
في حوار جمعنا في نيويورك مع باحثين من “مجموعة الأزمات الدولية”، كان النقاش فيه حول تطورات الأزمة في سورية، والحرب على “داعش”، لم يثر الباحثون -كما درجت العادة من قبل- أسئلة “مشككة” حول الأوضاع في الأردن.
لكن سؤال إدامة الاستقرار في الأردن ليس هيناً. ينبغي أن نأخذه على محمل الجد، وأن نعمل بأقصى طاقتنا لالتقاط الفرصة السانحة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب على الصعيد الاقتصادي. وذلك يتطلب توظيفا خلاقا لنقاط قوتنا، وعرضا مقنعا لما نواجه من تحديات؛ والحديث مع المجتمع الدولي من موقع القوة لا الضعف.
وللسؤال استحقاقات داخلية أيضا، لا يمكن القفز عنها. استقرار الجبهة الداخلية هو نقطة قوتنا في الخارج، وبفضلها تمكنا من تحويل الأنظار عن الأردن وتبديل الانطباعات. إنهما مساران متوازيان يخدم كل منهما الآخر. لكن في اللحظة الراهنة، المسار الخارجي أفضل حالا من الداخلي.