أولويات “الإخوان” والدولة/ بقلم: محمد ابورمان

من المبكّر الحديث عن موقف جماعة الإخوان المسلمين (الأمّ) من الانتخابات النيابية المقبلة؛ فما يزال (مشروع) قانون الانتخاب الجديد في عهدة مجلس النواب. كما أنّ قرار المشاركة أو المقاطعة منوط بمجالس الشورى في الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، وهو قرار يتم اتخاذه، عادة، فقط عند اقتراب موعد الانتخابات النيابية.

في الوقت نفسه، من المهم أن تقدّم الجماعة رسائل وإشارات للأوساط الرسمية والسياسية، يمكن من خلالها استنطاق نواياها للأيام التالية، بما يساعد في ترسيم معالم المشهد السياسي القادم. لكن إلى الآن، لم تعطِ الجماعة موقفاً واضحاً محدّداً تجاه مشروع قانون الانتخاب، بقدر ما أنّ التصريحات الصادرة تعكس تفاوتاً وتبايناً ملموسين في أوساط الحركة تجاه القانون والعودة إلى الحياة السياسية، فتخلق حالة من الضبابية والرمادية في مواقف الحركة حتى اللحظة الراهنة.

من الواضح أنّ هناك تياراً ما يزال يعيش في لحظة “الربيع العربي” (إلى ما قبل الانقلاب العسكري في مصر)، ويطرح سقفاً إصلاحياً قريباً من ذلك، بخاصة من جيل الشباب الذي عاش مرحلة الحراك. فيما نجد على الطرف الآخر، مجموعة قيادية تدرك حجم الأزمة الداخلية والسياسية التي تمرّ فيها الجماعة!

الأمر متروك للانتخابات الداخلية المتوقعة خلال العام المقبل، ولما يمكن أن ينجم عنها من تحولات وتغييرات في مستوى القيادة؛ وإن كانت القيادة الجديدة ستأتي من علبة الجناح الحالي المهيمن نفسه، نظراً لانسحاب أغلب أفراد جناح الحمائم من المشهد الداخلي، وخروج عشرات إلى التنظيم الجديد، مع احتمالية أن ينضم إليهم آخرون. مع ذلك، تبقى الخلافات والتباينات قائمة حتى في أوساط الجناح الحالي (الموصوف بالصقوري) في طريقة التعامل مع الأزمة وإدارتها.

بالرغم من إصرار نخبة الجماعة على التقليل من حجم الأزمة وعمقها، إلا أنّ من الضروري عند الحديث عن نوايا الجماعة وموقفها من سؤال المشاركة والمقاطعة، التذكير بأنّ أزمة الجماعة ثلاثية الأبعاد.

في بعدها الأول، تحمل أزمة الأيديولوجيا والرؤية التي تتجاوز الطابع المحلي إلى مفهوم الجماعة نفسها وأسسها، بعد التجربة غير الناجحة التي حدثت في مصر، وفشل الجماعة سياسياً في التنبّه للفخ الذي نصب لها هناك.

وفي بعدها الثاني الأردني الداخلي، تعيش أوساط الجماعة أخطر وأعمق أزمة داخلية تمرّ بها منذ تأسيسها، مع حالة التجاذب والانفلات الأفقية والعمودية في أوساط الجماعة، ليس فقط على صعيد الانشقاقات، بل حتى الحالة الداخلية الراهنة. إذ أرسل حكماء الجماعة رسالة أخيرة قبل أسابيع للقيادة الراهنة، يطالبونها بالاستجابة لعدد من الأمور، لكنهم لم يتلقوا جواباً شافياً، ما دفع بهم إلى التفكير بخطوات جدية باعتزال أي عمل تنظيمي داخلي.

أما البعد الثالث، فهو الأزمة مع الدولة، وما يطلق عليه مخططو الجماعة حالة “اللاسلم واللاحرب” مع الحكومات المتعاقبة، ثم التطورات الأخيرة التي وصلت بالعلاقة بين الطرفين إلى مرحلة غير مسبوقة من التدهور.

ثمّة ضرورة ماسة اليوم لأن يتشكّل تيار من أبناء الجماعة يعيد قراءة الأزمة بصورة أكثر عمقاً وإدراكاً لأبعادها المختلفة، بعيداً عن حالة الإنكار، مع تحليل التحول والتغير في الظروف المحيطة، بخاصة ما يتعلّق بسقف الإصلاح السياسي بين لحظة “الربيع العربي” واللحظة الراهنة التي تعاني من انهيارات تاريخية في المنطقة.

مثل هذه القراءة من الضروري أن تكون مبكّرة، وأن تأخذ بعين الاعتبار إعادة ترتيب أولويات الجماعة، للتفكير في: أهمية الحفاظ على الاستقرار في الأردن؛ والمشاركة مع الدولة في تطوير أي مشروع إصلاحي؛ والتلاحم الوطني في مواجهة الهويات الفرعية والتعصبات؛ وتقديم خطاب حضاري معتدل لمواجهة انتشار الخطاب المتطرف والمتشدد في المنطقة.

بالرغم من كل هذه الأزمات البنيوية، إلاّ أنّ اللحظة الراهنة تحمل أفقاً جديداً وفرصة مهمة للجماعة، لإعادة تعريف دورها وأولوياتها، وتطوير أدواتها وأدوارها.

Related posts

سكوت ريتر: لماذا لم أعد أقف مع إسرائيل؟ ولن أقف معها مرة أخرى

ماذا لو فاز ترمب … وماذا لو فازت هاريس؟* هاني المصري

الأمم المتحدة…لنظام عالمي جديد ؟* د فوزي علي السمهوري