عروبة الإخباري- حالت الظروف الصعبة التي يعيشها السوريون في ظل الحرب المستعرة منذ ما يزيد على أربع سنوات دون أن تعيش «كوثر أحدب ودريد لبابيدي» اللذين غادرا حمص سوية، حالهما كحال الكثير من العائلات السورية الممزقة، ولكنهما أثبتا أن البعد لا يمكن أن يقف حائلا دون الحب وحرارة المشاعر الدافئة. فكر الزوجان بطريقة يمكن فيها التعبير عن الحب والود بين الأهل والأصدقاء برغم التباعد المكاني وظروف الحرب التي فرضت تحديات من نوع جديد، فولدت فكرة بريد المغتربين التي بدأت خلال فترة «عيد الأم» حيث نشر كل من كوثر ودريد على حساباتهم الشخصية عبر «الفيس بوك» أنهما مستعدان لإرسال قوالب الكيك في «عيد الأم» لأمهات أصدقائهم من المغتربين، إلى محافظة حمص، وذلك بمساعدة أقرباء الزوجين الذين ما زالوا في المدينة، فوصل عدد الطلبات إلى مئة وخمسين قالبا، مما جعلهما يتوقفان عن استقبال طلبات الهدايا، لأنه كان من الصعب عليهم توصيل عدد أكبر من ذلك.
التهافت الكبير الذي حصل في «عيد الأم» جعل من الزوجين يفكران في الموضوع بشكل جدي، وأعيد افتتاح تسجيل طلبات الهدايا قبيل شهر رمضان، بالاتفاق مع مطاعم ومطابخ ومحال ورد في مدينة حمص، لتوصيل الهدايا ووجبات الإفطار لأهالي المغتربين وأصدقائهم، حتى وصل عدد الهدايا إلى أربعين هدية يوميا في منتصف شهر رمضان، فقاموا بافتتاح خدمة لتوصيل الهدايا إلى دمشق بمساعدة من يثقون بهم لينضموا إلى الفريق، ليصلوا بعد ثلاثة أسابيع إلى مدينتي حماة وحلب.
تحول بريد المغتربين من «فكرة» إلى مشروع يديره أحد عشر سوريا مغتربا عاطلا عن العمل في البلد الذي يعيش فيه،على الرغم من أنهم جميعا من حملة الشهادات العليا في «طب الأسنان وماجستير وهندسة الميكانيك والصيدلة وهندسة الشبكات»، وجدوا أنفسهم جميعا بلا وظائف، وهذا ما جعلهم متفرغين للعمل في هذا البريد والرد على الرسائل، حيث تتراوح أعمارهم ما بين 22 عاما و48عاما، يسيرون خمسة فروع داخل سوريا (حمص ودمشق وحلب وحماة والساحل السوري) وفرع خارج سوريا في طرابلس لبنان، فتمكنوا من توصيل ما يقارب ألف وستمئة هدية حتى الآن. تقول منى صابوني عن تجربتها الجديدة في العمل مع فريق «بريد المغتربين» لفت انتباهي في الفريق روحه العالية التي يتمتع بها، إضافة إلى اعتنائهم باختيار الأشخاص العاملين معهم، فيقومون باختيار عاملي توصيل وشراء، من ذوي الأخلاق الرفيعة، ومدركين أنهم يقومون بعمل لصنع الفرح، فلا يبدون وكأنهم يقومون بواجب يريدون الانتهاء منه بسرعة، ما يجعلك تشعر وكأنهم أصدقاؤك.
وتضيف المتحدثة: «العمل في صناعة قوالب الحلوى صعب في ظل الظروف التي تمر بها سوريا عامة، وحلب خاصة، إلا أن ما يزيد حلاوة هذه النكهة هو ردة فعل الناس، فما يخبرونني به من فرحتهم والتفاصيل الصغيرة الخاصة التي شعروا بها، يجعلني أستمر في العمل مع هذا البريد رغم كل الصعوبات، ومن خلال «بريد المغتربين» نجح كثير من المغتربين السوريين في مشاركة عائلاتهم في المناسبات الخاصة».
وتضيف: أحد الآباء تمكن من إرسال قالب كعك مزين لابنته في يوم ميلادها إلى منزلها ليخفف من شعورها بالحرمان، كما تمكنت إحدى المغتربات السوريات في ألمانيا من المشاركة في عرس أخيها الوحيد في دمشق، بفضل خدمة «بريد المغتربين» عن طريق رسالة صوتية أرسلتها له، تم بثها أثناء العرس مع الصور المناسبة، بعد أن تمكنوا من إقناع مدير الصالة بعرضها، وفي نهاية الرسالة مدت يدها من الشاشة لتقدم باقة من الورود باسمها لأخيها وعروسه، ومباشرة كان هناك فريق «بريد المغتربين» ليقدموا الباقة باسمها وسط دهشة ودموع الحاضرين.