عروبة الإخباري- لم تعد بغداد كما كانت في السابق؛ فقد حولتها الحرب إلى مدينة تعيث فيها المليشيات الطائفية، بدءاً من تنظيم (داعش) وليس انتهاء بمليشيا “الحشد الشعبي”، فساداً وإجراماً. باتت مدينة بالكاد يتحملها أهلها؛ فلا ماء ولا كهرباء ولا أمن.
غير أنّ عاصمة الرافدين تحولت إلى وجهة جديدة يقصدها زعماء وعناصر الجماعات المعارضة، والراديكالية منها، من دول عدة، القاسم بينها جميعها هو أنها حليفة لإيران.
تمارس تلك الجماعات نشاطها السياسي في حرية واسعة، بتسهيل من النظام العراقي إبان نظام نوري المالكي، الذي أطيح به في انقلاب أبيض، نهاية العام الماضي، ولا تزال ناشطة، حتى الآن، برعاية أحزاب وجماعات دينية وعدد من المليشيات كحزب الله وبدر وعصائب الحق.
يحظى أفراد تلك الجماعات المعارضة بإقامة مفتوحة في العراق. يتنقلون بين بغداد والنجف، وأحياناً ينتقلون منها الى إيران. ويتلقون مساعدات مالية ثابتة من جماعات وجهات عدة في العراق لا صلة للمؤسسة الحكومية بها، بحسب مسؤولين عراقيين وقيادات سياسية ونواب في البرلمان.
ومن أبرز هؤلاء معارضون بحرينيون يمضون عامهم الثاني في العراق على التوالي وعناصر من جماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، الجناح السياسي، الذي يتخذ من العراق منطلقاً لرحلاته إلى دول مختلفة، فضلاً عن جماعات وأفراد تحمل توجهات سياسية معارضة بأبعاد دينية في الغالب من دول عدة في المنطقة العربية، مثل الكويت والسعودية، وكذلك من أفغانستان وباكستان، إلا أنهم لا يتخذون شكلاً تنظيمياً كما هو حال المعارضة البحرينية وجماعة الحوثي.
ويقدر عدد عناصر وأفراد تلك الجماعات المعارضة ما بين 800 الى 1000 شخصية، بين سياسية ودينية، وبعضهم يشير إلى تعرضه للظلم في بلده، اضطره إلى اللجوء للعراق بعد إغلاق أبواب الدول الأخرى في وجهه. وتدير تلك الجماعات المعارضة مواقع إلكترونية موجهة للشارع المحلي في دولهم تلك على وجه الخصوص، ولا يشمل نشاطهم أي طابع عسكري داخل العراق، إلا أن عدداً منهم انخرط، أخيراً، في معسكرات تدريب على السلاح جنوب العراق، كالمعارضة البحرينية وآخرين من جماعة الحوثي.
يقول القيادي في الحزب الشيوعي العراقي، مالك الطائي، إن “حكومة حيدر العبادي لم تلتفت بعد لتلك الجماعات المعارضة، إذ إن نشاطها يضرّ بعدة دول، ومن الإجحاف اتهامه برعايتها كونها من ضمن فوضى المالكي التي تركها بالبلاد”، على حد تعبيره.
ويضيف الطائي أنّ “كل ما فعله العبادي هو قطع المخصصات الشهرية عن المعارضة البحرينية الموجودة. كما لم يرع الحوثيين المتواجدين بالعراق منذ اندلاع عاصفة الحزم ولغاية اليوم”.
ويبين أنه “ليس من صالح العراق أن يكون حاضناً لتلك الجماعات كونها لا تحمل فكراً سياسياً بل فكراً دينياً، والعراق وضعه حساس للغاية”.
وفي هذا الإطار، يشير مسؤول حكومي عراقي، طلب عدم نشر اسمه، إلى أن “نشاط الجماعات المعارضة يشمل تلك البحرينية، خصوصاً تلك التي حوكمت غيابياً في المنامة ولاذت بالعراق كملجأ لها وبعضهم متهم بأعمال عنف وتفجير في البحرين”، على حدّ قوله.
ويرى المسؤول نفسه، أنه “على الرغم من أن العراق لا ينقصه استقطاب طائفي إضافي، إلا أن المتنفذين في إدارة البلاد لا يتأخرون في احتضان أي من تلك الحركات حتى لو كانت مخلة بأمن دول المنطقة في استنساخ واضح للتجربة الإيرانية”.
وفيما تحتضن الحكومة العراقية، معارضات مدعومة من إيران، تطارد عناصر المعارضة الإيرانية “مجاهدي خلق”، الذين سلّمت قسماً منهم لإيران، وطردت المتبقي منهم من معسكرات تواجدهم في ديالى شرق بغداد، ما دفع الأمم المتحدة للتدخل ووضعهم تحت حمايتها في منطقة معزولة قرب مطار بغداد الدولي. لكن الحكومة العراقية تصرّ على إنهاء أي تواجد لهم بالبلاد، وتنسق مع الأمم المتحدة لإيجاد مكان بديل لهم غير العراق.
ويعلّق الخبير في الشؤون العراقية، الأستاذ في جامعة صلاح الدين، أحمد كمال الجاف، على هذا الأمر، قائلا: إن “المادة الثامنة من الدستور العراقي النافذ تتعارض مع ما يسود العراق اليوم؛ فهي تنص على أن يراعي العراق مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ونرى أن تلك الجماعات تستغل الأراضي العراقية لأنشطة معادية ضد دولها”.
ويضيف الجاف أن “الأمر لا يقتصر على بغداد والنجف؛ ففي أربيل، أيضاً، توجد جماعات معارضة كالإيرانية والسورية، لكن على العكس تماماً مما يحصل في بغداد والنجف؛ فكردستان تمنعهم من ممارسة أي نشاط سياسي يضر بدولهم”.
لكن في المقابل، يدافع عضو حزب “الدعوة الإسلامية”، علي طعمة، عن احتضان المعارضة إن “هذا الأمر طبيعي، وخصوصاً أن تواجدهم بالنجف له استثناء؛ فالمدينة مقدسة ولا يمكن منع أي إنسان من دخولها”.
ويبين أن “فصائل المعارضة لا تشكل تهديداً لبلدانها، لكنها تمارس حقها بالعمل السياسي والتعبير عن الرأي في ظل الديمقراطية التي ينعم بها العراق”.