تناقلت المواقع الإخبارية في السعودية يوم العيد، خبرين منفصلين عن حادثين وقعا في المملكة. الأول كان وفاة عدد كبير من ضيوف الرحمن في مشعر منى، نتيجة تدافع مفاجئ بين الحجيج في أحد الشوارع المؤدية إلى موقع الجمرة الأولى.
والثاني في شـــمال المملكة، إذ تمكن أخوان داعشيان حديثا التجنيد من قتل ابن عمهما بسبب انتظامه في دورة عسكرية تابعة للقوات المسلحة السعودية.
الحادثان لا يربطهما عامل مشترك في الظاهر، لكن تحت السطح يمكن لأي عين راصدة أن تحدد الهدف الرئيس من صدى الحادث الأول وصوت الحادث الثاني، الصدى يقول: «ضعوا جزءاً من الأراضي السعودية (الحرمين الشريفين) تحت الوصاية الدولية»، والصوت يقول: «ضعوا بقيتها تحت وصاية عصابة أبي عواد البدري (أبو بكر البغدادي)»!
بعد الحادث الأول، الذي قد يكون حادثاً عرضياً وقد يكون بفعل فاعل له مصلحة في «الصدى»، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني، مختصراً كل الأصوات المهاجمة للملكة: إن القوات المسلحة الإيرانية على استعداد للدفاع عن الأماكن المقدسة إذا ما اقتضت الحاجة، وهو بهذا يعيد بعض الأمنيات القديمة لخصوم المملكة، التي جددها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي خلال لقاء متلفز قبل أشهر، طالب فيه المجتمع الدولي بوضع السعودية تحت الوصاية الدولية، لكن روحاني بالغ كثيراً في هذا الجانب واختصر الوصاية الدولية المشتهاة إلى مبادرة إيرانية خالصة!
مجموعة المالكي وكتلته السياسية وقاعدته الآيديولوجية في العراق، ومن ورائه آيات الدولة الفارسية شرق الخليج العربي، يهمهم جداً أن تُحاصر السعودية دولياً من خلال كسر الميزة الأسمى والأكبر التي خص الله السعودية بها، وهي رعاية الحرمين الشريفين، وبالتالي ضمان رفع الغطاء الإسلامي عنها وفصلها عن تعاطف المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.
أما لماذا يسعى الإيراني والعراقي «المتأرين» إلى تحجيم دور السعودية، فلأنها الحائل الأكبر دون المطامع الإيرانية في المنطقة، والدولة الرئيسة في الحلف المناهض للامتداد السياسي الإيراني المعلّق برجل طائر طائفي.
وقبل الحادث الأول سعى بعض شواذ الفكر والمنتمون إلى تنظيم «داعش» والمتعاطفون معه في السعودية إلى خلخلة الأمن الداخلي في السعودية، أملاً بإسقاطه بالكامل وانهيار الدولة السعودية القائمة، من خلال استهداف رجال الأمن في شكل منظم. دعوات داعشية كثيرة سبقت هذه الحادثة تدعو المؤمنين بالتــنظيم إلى تصفية العاملين في سلك الأمن السعودي، وحدد بعضها «تخصيصاً» تصفية الأقرباء العسكريين.
ومثلما وجدت الدعوات العامة قبولاً محدوداً من مجرمي «داعش» في المملكة، وجدت الدعوات الخاصة باستهداف الأقرباء حادثين حزينين؛ كان أحدهما الحادث الذي أشرت إليه في هذا المقال.
والملاحظ في كلا الحــالتين أن من قام بهما لم يبلغ الـ20 من العمر، ما يشير لنا إلى أن المسألة ليست إيماناً خالصاً باعتقاد ديني معين وإنما اضطراب سلوكي لمراهقين حائرين وجــدا في تحدي العادي والمألوف خروجاً عن واقعهما وانقلاباً على وضع اجتماعي ونفسي يضغط على عمريهما الصغيرين.
ليس هذا فحسب، بل إن بعض الشباب ذوي الدوافع الإجرامية وجدوا في الانضمام إلى «داعش» وممارسة القتل من خلاله تنفيساً لذواتهم المجرمة وإشباعاً لرغباتهم المكبوتة التي يقف القانون ضدها، بينما تبررها عقيدة الإسلام المتطرف.
صدى حادث مشعر منى، وصوت حادث قتل الداعشي ابن عمه العسكري في شمال المملكة كلها تشير إلى وحدة الهدف، وإن تغيرت الأداة واختلف الدافع. وكل ما هو مطلوب من السعوديين الآن النظر من خارج الدائرة للحفاظ على دولتهم في الداخل وحمايتها من مؤامرات الخارج. المهمة الأولى تقع على عاتق المواطن في أدواره المختلفة، والثانية تقع على عاتق السياسي.
* صحافي وكاتب سعودي