لا شك في أن مشروع قانون الانتخاب الجديد قوبل بارتياح عام في الأوساط الشعبية ولدى قادة الرأي، وذلك رغم اعتماده نظام قوائم نسبية مفتوحة لم يجربها الأردنيون والأردنيات بعد؛ ورغم غموض الصورة فيما يتعلق بأمور كتوزيع المقاعد وعدد الدوائر ومقاعد كل دائرة، كما طريقة احتساب الأصوات الزائدة، ونجاح مرشحي “الكوتا” وغيرها. لماذا هذا الارتياح إذن، رغم كل هذا الغموض؟ لأن القانون الجديد ابتعد بوضوح، ومن دون لَبْس، عن نظام “الصوت الواحد المجزوء”، ما سيؤدي -خاصة مع اعتماد المحافظة في أغلب الأحيان دائرة واحدة- إلى انتخاب مرشحين يعتمدون على قواعد أوسع، ولهم بالتالي مصداقية أكبر لدى الناس.
هذه هي الصورة الكبيرة، بالرغم من التفاصيل الأخرى كافة، والتي هي تفاصيل مهمة في كثير من الأحيان. وهي صورة تؤدي بنا إلى استنتاج العديد من الأمور.
فقد أصبح واضحاً الآن أن الابتعاد عن “الصوت الواحد” بهذه الطريقة المتقدمة، هو قرار اتخذه جلالة الملك.
أيضا، فإن حالة الارتياح العام اليوم، تثبت أن المزاج العام يمكن تغييره وبسرعة حين يشعر الناس أن الدولة جادة في اتخاذ خطوات متدرجة، لكن هادفة، نحو تقوية المجلس النيابي وتطوير نظام من الفصل والتوازن، كما ينادي بذلك جلالة الملك. والرسالة التي يرسلها الشعب الأردني اليوم واضحة في وقوفه مع جلالة الملك ضد من يعيق العملية الإصلاحية. ولعلها رسالة يلتقطها من وقف ضد الإصلاح، وضد توجهات وتطلعات جلالته.
لقد غابت، وبشكل واضح، الكتابات اللاذعة والتخوينية لكُتّاب التدخل السريع ضد مشروع القانون الجديد، بل ولم يكن لها حتى رأي في القانون. وليس واضحاً بعد إن كان هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة، أم أن القرار قد اتخذ بعدم المناكفة والمعارضة. بغض النظر، على القوى الإصلاحية أن تعي أن المعركة الرئيسة اليوم هي دفن “الصوت الواحد المجزوء” إلى الأبد. كما عليها توجيه جلّ جهودها لضمان عدم التراجع عن ذلك لدى مناقشة القانون في مجلسي النواب والأعيان.
لا شك في أن هناك الكثير من النقاط التي تحتاج لتوضيح حتى يصدر النظام الخاص بالانتخابات، وتعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب، لإزالة الغموض. وعلى سبيل المثال، فإن النظام النسبي سيحدث تشوهات واضحة في الدوائر ذات المقاعد القليلة. ففي دائرة مثل العقبة مثلاً، فيها ثلاثة مقاعد، يمكن للائحة حصلت على 50 % من الأصوات، وأخرى على 30 %، وثالثة على 20 %، أن يحصل كل منها على مقعد إن لم تعتمد طريقة أخرى لاحتساب الأصوات الزائدة عدا الطريقة التي اعتمدت في الانتخابات الماضية. و”الكوتا النسائية”، أيضاً، بحاجة للمراجعة، بطريقة تضمن تمثيلاً نسائياً أفضل. وهناك نقاش حول طريقة احتساب نجاح المرشحين المسيحيين والشركس ودوائر البدو المغلقة.
ليس هناك من قانون سيحظى بالإجماع حول بنوده كافة. ومن حق وواجب المجتمع المدني أن يضغط لتحسين القانون في أماكن عدة. لكن تحديد الأولويات مهم اليوم. وأخشى إن طالت قائمة التعديلات المقترحة على القانون أن تستخدم قوى الشد العكسي ذلك لمحاولة إرجاع الأمور إلى ما كانت عليه. فواجب القوى الإصلاحية اليوم أن تكسب المعركة الرئيسة المتمثلة في دفن “الصوت الواحد المجزوء”، بأن تدعم التوجه العام للقانون، ثم تنتقي أولوياتها بعناية لما تريد تعديله، أي أن تأخذ وتطالب. والمعركة مستمرة.