بعد إخفاق المحاولة الأميركية الأخيرة لاستئناف المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وأعني الجهود التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قبل سنة من الآن، غسل الأردن يديه تماما من عملية السلام، ولم يعد يراهن على أي تحرك دبلوماسي في ظل مواقف حكومة بنيامين نتنياهو المتعنتة التي ازدادت تصلبا بعد انتخابات الكنيست المبكرة، وتشكيل حكومة جديدة أكثر يمينية من الأولى.
وبمعرفة الدبلوماسية الأردنية العميقة بتقاليد السياسة الأميركية، تشكلت قناعة راسخة بأن إدارة الرئيس باراك أوباما، لن تقدم على محاولة جديدة لتحريك المفاوضات وهي تدخل عامها الأخير في البيت الأبيض.
لهذا، ركز الأردن جهوده في الآونة الأخيرة على ملف القدس والمقدسات، بهدف احتواء وكبح الهجمة الصهيونية الشرسة عليها، وإحباط مخططات تقسيم الحرم القدسي الشريف، إضافة إلى ضمان وصول المصلين من أبناء فلسطين إلى المسجد الأقصى بحرية ومن دون قيود.
حكومة نتنياهو تدرك من جانبها حساسية الأردن والملك عبدالله الثاني الشديدة، تحديدا تجاه موضوع المقدسات الإسلامية والمسيحية. فقد كان الأردن مستعدا على الدوام لتفهم الإخفاقات المتكررة في عملية السلام، مع الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية مع تل أبيب. لكنه لا يقوى أبدا على القبول بهذا الوضع إذا شعر أن المقدسات في مدينة القدس المحتلة، والمشمولة برعايته، محل تهديد.
ولهذا، لم تتردد القيادة السياسية في استدعاء السفير الأردني في تل أبيب العام الماضي، عندما استباح المستوطنون الحرم القدسي، وفي خطوة بدا أنها تمهد لتغيير الوضع القائم المتفق عليه بين الطرفين، وفق معاهدة السلام “وادي عربة”. ولم يوافق الأردن على إعادة السفير إلا بعد أن تلقى وعودا قاطعة من نتنياهو باحترام الدور الأردني. وانتظر الملك أسابيع ليتأكد بنفسه من التزام حكومة إسرائيل بوعودها.
لكن الاعتداءات الأخيرة على الحرم القدسي، وانتهاك التفاهمات والوعود السابقة، بددا فرص بناء الثقة حول القدس. وهذا ما يفسر موقف الملك الغاضب مما يجري في القدس حاليا، لدرجة أنه رفض الرد على أكثر من اتصال هاتفي من نتنياهو، الذي حاول امتصاص الغضب الأردني بتصريحات صحفية مطمئنة حيال دور الأردن في رعاية المقدسات.
وكان مفاجئا لإسرائيل توجه الأردن لمجلس الأمن، ونجاحه في انتزاع موقف دولي يرفض التصعيد، ويقر بالوصف القانوني والتاريخي للحرم القدسي الشريف، مستثمرا في ذلك عضويته الدورية في مجلس الأمن.
الأردن الذي يواجه تحديات أمنية غير مسبوقة على حدوده الشمالية والشرقية، لم يكن ليفكر بتصعيد يشعل الجبهة الغربية. ليس ذلك في مصلحته أبدا، كما أنه خارج قدرته على إدارة أزمة على ثلاث جبهات.
لكن يتعين على حكومة اليمين في إسرائيل إدراك أن الأردن لا يستطيع أن يقف متفرجا عليها، بينما هي تقود لعبة خطرة في “الأقصى”، وتعرض الحكم لضغوط شعبية داخلية، وتهدد حالة الاستقرار الأمني في المملكة.
لقد سألت أحد كبار المسؤولين: هل أنتم جادون في القول إن كل الخيارات مفتوحة في حال واصلت إسرائيل تماديها في القدس؟ رد بحسم: نعم جادون، كل الخيارات واردة بما فيها “المعاهدة”.