عروبة الإخباري – اعتبر رئيس مجلس الاعيان السابق طاهر المصري، أن تراجع الدعم الأممي للاجئين الفلسطينيين في الأردن، يعد مؤشراً على ذهاب المجتمع الدولي نحو تصفية القضية الفلسطينية، عبر “توطين” هؤلاء اللاجئين.
وفي حوار مع الأناضول، قال المصري إن ملف القدس سيضع بلاده بين مطرقة وصايتها على المقدسات هناك، وسندان السلام الاقتصادي الذي يتجلى عبر المشاريع الأردنية الكبرى المشتركة مع إسرائيل.
ووصف المصري، العلاقات بين المملكة والسلطة الفلسطينية بـ”الفاترة”، متوقعا أن تؤدي بعض المخططات الإسرائيلية الاستراتيجية، والتحولات الطارئة في المنطقة، لإرجاء عملية السلام إلى أجل غير مسمى.
وفي الملف السوري، يرى المصري – الذي شغل سابقاً منصبي رئيس مجلس الأعيان (الغرفة الثانية للبرلمان)، ووزير الخارجية، أن خيار إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية مازال مطروحاً، في ظل عدم التوصل إلى حل سياسي للأزمة هناك.
وفي الشأن الداخلي، اعتبر أن الراية ذات اللون القرمزي التي سلمها الملك عبدالله الثاني مؤخراً لقيادة الجيش، ليس لها أية دلالات سياسية توسعية، وهي ذات صلة بولاية العهد، دون أن يشرح طبيعة هذه الصلة، منتقداً ما وصفه بالعقلية النمطية في إدارة العمل العام ببلاده (سياسيا واقتصاديا واجتماعيا)، والتي يتسم بها قادة تقليديون (لم يسمهم)، أتت بهم الوظيفة الحكومية وليست القواعد الشعبية.
وإلى نص الحوار:
● بماذا تفسر تقليص خدمات وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في الأردن؟ وكذلك تقاعس المجتمع الدولي عن القيام بواجباته تجاه اللاجئين السوريين؟
– أظن أن هذا الأمر مخطط له ليصبح موضوع اللاجئين الفلسطينيين في الأردن قضية أردنية داخلية، وما تفعله الأونروا، هو تمهيد ليس لتسوية القضية الفلسطينية، بل لتصفيتها.
وأخشى أن يكون ذلك مقدمة لتوجه دولي يعتبر هؤلاء اللاجئين الذين في غزة والضفة الغربية هم فعلياً على أرضهم ويمثلون 43% من مجموع أعداد اللاجئين، وأن يُنظر إلى اللاجئين الفلسطينيين في الأردن على أنهم مواطنون يحملون الجنسية الأردنية، بالتالي فإنه قد يأتي يوم يتفاوض فيه الغرب على عودة أعداد محدودة من هؤلاء في سوريا ولبنان فقط، وتوطين البقية.
أما فيما يتعلق بموقف المجتمع الدولي المتقاعس تجاه اللاجئين السوريين، فقد ملّنا هذا المجتمع، وملّ لاجئينا ومشاكلنا، حيث أنهم يعتبرون أنفسهم غير معنيين بهذه الأزمة، وكأن لسان حال العالم يقول: هذه الحرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل.
●كيف تصف العلاقات الأردنية الفلسطينية على المستوى الرسمي؟ وهل يخشى الأردن ذهاب الفلسطينيين منفردين نحو إيجاد حلول للقضية قد لا تتناغم مع مصالحه العليا؟
– هناك فتور مؤسف في العلاقة بين الطرفين، ولا أحد يعرف أسبابه (…) ربما يكون ناجماً عن تصرفات فردية معينة، جراء غياب المصالحة الفلسطينية الداخلية.
أما عن المخاوف من ذهاب الفلسطينيين منفردين نحو حلول للقضية، فلا أظن أن ذلك وارد، لأنه لايوجد أساساً حلول، فالتسوية بعيدة المنال، وعملية السلام، عملياً، جرى إغلاق ملفها إلى أجل غير مسمى، ضمن حالة الابتزاز الإسرائيلي المتوقعة لأمريكا على مسار القضية الفلسطينية، كجزء من ثمن الاتفاق النووي مع إيران الذي تعارضه إسرائيل، إضافة إلى السياسة الإسرائيلية الهادفة إلى قضم المزيد من أراضي الضفة، وإلحاق المستوطنات ببلديات الاحتلال كمقدمة لإعادة فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق واسعة في الضفة، والمباشرة بتنفيذ مخطط يهودية الدولة على الأرض، مستغلة في ذلك الاضطرابات التي تجري في المنطقة، والتي أدت إلى صرف الأنظار عن القضية الفلسطينية.
إن اسرائيل “التوراتية” تطمح إلى الاستيلاء على كامل التراب الفلسطيني، من خلال معتقداتها التي تدعي أن حدودها تتخطى الساحل، وتمضي نحو ممالك يهودية مزعومة في “يهودا والسامرا” كما يسمون (الضفة الغربية)، ورمز هذه المرحلة من الحلم الإسرائيلي الديني، الهيكل المزعوم.
ومن المتوقع، قبل نهاية العام، أن تقوم إسرائيل بفصل الحرم القدسي على غرار ما فعلته في الحرم الإبراهيمي، وأمام كل هذه التطورات لا يمكن أن يكون هناك عملية سلام، وستوضع القضية الفلسطينية ضمن الأولويات الأمريكية المتدنية.
● هل من المتوقع أن تؤدي السياسات الإسرائيلية التي ذكرتها خاصة في القدس إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين الأردن وإسرائيل؟
– أظن أن الأردن سيسعى لإحداث توازن بين وصايته على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، في ظل الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لها، وبين مشاريعه الاقتصادية الكبرى مع اسرائيل. فمع أن الأردن لن يلزم الصمت إزاء أية تطورات ضمن ملف القدس، وسيقود حراكاً دبلوماسياً مكثفاً من خلال المجتمع الدولي ومجلس الأمن، لكنه في الآن ذاته لن يعطل أية مشاريع اقتصادية حيوية له مع اسرائيل كمشاريع الغاز والمياه والمناطق الحرة وغيرها.
● كيف تنظر إلى مآلات الأوضاع في سوريا؟، وما هي الأوراق التي يمتلكها الأردن للحد تداعيات هذه الأزمة عليه، لاسيما في الشق المتعلق بتدفق اللاجئين؟
– لا أدعي أنني مطل على حلول وشيكة للأزمة السورية، لكن على ما يبدو أن ثمة مواقف جديدة انبثقت عن تحالفات أبصرت النور مؤخراً في المنطقة، وقد يكون لها أثر في إحداث التغيير، وستكون تركيا لاعباً فيها، خاصة بعد أن تأثرت هي الأخرى بالتداعيات السلبية لما يجري على هذه الساحة الملتهبة.
أما بالنسبة لتدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن فقد توقف نسبياً، بعد أن أصبح عدد اللاجئين كبيراً جداً، وهذه إحدى الملامات التي تُثار في وجه الحكومة الحالية، حين أشرعت الحدود دون تخطيط استراتيجي لمستقبل هذه الأزمة التي قد يطول حلها.
وبالنسبة للأوراق التي يملكها الأردن، فأظن أن المنطقة العازلة على الحدود السورية باتت موضوعة على الطاولة بقوة، في ظل عدم التوصل إلى حل سياسي للأزمة هناك.
وجلالة الملك عبدالله الثاني اتخذ إجراءات وتحدث عنها بصراحه في إحدى المقابلات، حين قال إنه لن ينتظر قرارات بعض الدول التي يعرف مصلحة بلاده والمنطقة أكثر منها.
وقد تشكل التحالف الدولي للحرب على داعش، وكان الأردن من أول المبادرين بالانخراط فيه، وقد يكون العامل الاقتصادي وتكاليف الإنفاق على العمليات العسكرية، من ضمن الأسباب التي أدت إلى تراجع زخم مشاركته في الضربات الجوية، لكنه ما زال يلعب دوراً أساسياً في الدعم اللوجستي للمعركة.
● هناك من يعتقد أن من يسمي نفسه بتنظيم الدولة هو صناعة قوى عظمى، هل تتفق مع هذا الطرح؟
– أنا لا أعلم تماماً من صنع هذه المجموعات أو المنظمات، لكنها وتنظيم داعش على رأسها، بالتأكيد هي الآن في خدمة الأهداف الإسرائيلية والأمريكية، وهناك غموض شديد يكتنف ظهور هذه التنظيمات وتقدمها المتسارع، عبر آلاف المدربين عسكرياً، ويقودون الدبابات، ويخططون استراتيجياً، ولديهم كل مستلزمات الجيوش الحديثة ما عدا سلاح الجو، ويحتفظون بمناطق تحت سيطرتهم داخل العراق وسوريا، فمن يمولهم، ومن يأمن لهم خطوط الإمداد والتموين والسلاح والرواتب؟.
هذا التنظيم وُجد لخدمة مشروع إعادة تقسيم المنطقة، وإشعال الحروب والفتن الطائفية والفوضى، كما أنه يصرف أنظار الشارع العربي والمجتمع الدولي عن القضية الفلسطينية، وعن ما تقوم به إسرائيل على الأرض من فرض حلول أحادية الجانب.
وهنا دعيني أضرب لكِ مثالاً استنتاجياً، في (أنغولا) كان ثمة حرب أهلية، وكان الحكم فيها اشتراكياً، ولديها كميات من النفط، فانطلق الغرب عبر جنوب أفريقيا لإضعاف هذه الحكومة، واستعان الأنغوليون بالكوبيين لحمايتهم وحماية النفط الذي كانت تهاجمه منظمات مدعومة أمريكياً وتستخرجه شركات أمريكية ويدفع الجانب الأمريكي أيضاً المال للكوبيين لقاء توفير الحماية لمنابع النفط.
● بالانتقال إلى الشأن المحلي، أثار تسليم العاهل الأردني مؤخراً راية قرمزية لقيادة الجيش، العديد من التكهنات والشائعات، لدرجة أن البعض اعتبرها إيذاناً بتوجه البلاد نحو التوسع الجغرافي، كيف تعقب على ذلك؟
– لا أعتقد أن هذا صحيحا، لأن الراية ليس لها أية أبعاد سياسية خارجية، وإنما لها علاقه بولاية العهد فقط، وأعتقد أن الأردن، وخاصة الملك عبدلله، لا يفكر بهذا التوسع على الطريقة المطروحة في أذهان البعض.
الأردن يدرك نتائج الإقدام على خطوة من هذا النوع، لاسيما في ظل واقع المنطقة، ومخاوف تقسيم سوريا، وقضايا الإثنيات، والمخاوف الخليجية من إيران وتذبذب الموقف الأمريكي حيالها، بل قد يعتقد البعض في ذات الإطار المتعلق بإطلاق الشائعات والتكهنات أن هذا التوسع المزعوم سيكون على حساب تسوية القضية الفلسطينية.
كيف تقيّم الإصلاحات السياسية والتشريعية التي اتخذها الأردن الرسمي خلال الفترة الماضية؟، وهل تمثل الإصلاح المنشود في مرحلة ما بعد الربيع العربي؟
– عند الحديث عن الإصلاح ومساره، أعتقد أننا سرنا على الطريق الصحيح وما زلنا نحقق بعض النتائج المهمة، إلا أننا ما زلنا بحاجة إلى إصلاح أكثر شمولية، يراعي الحتمية التكنولوجية وثورة المعلومات، فضلاً عن شبابية المجتمع الأردني، فمن غير المعقول أن تتم ولادة قانون انتخاب مناسب و بالمقابل تزور الانتخابات مثلاً، وهو ما يتطلب موازين ثابتة تراعي جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مع ضرورة الالتفات إلى عدم تمكن الحكومات من تحسين وتغيير مفهوم الأحزاب ومشاركة الناس فيها.
يُقال أنه لابد من وجود ارتباط عضوي بين قانون الأحزاب الذي تم إقراره وقانون الانتخاب المزمع تشريعه، إذا كانت الدولة بالفعل تمضي باتجاه تشكيل حكومات برلمانية، هل هذا صحيح؟
– يجب الاعتراف بأن هناك خللاً أساسياً في ساحتنا السياسية وهو أن المجتمع لم يعد يفرز قادة شعبيين ناجحين في مراكزهم الشخصية أو في القطاع المدني، لذلك فإن الغالبية العظمى من السياسيين وقادة الأحزاب وغيرهم هم نتاج المنصب الحكومي وليس نتاج إفراز شعبي أو حزبي معين، ولهذا فإن غالبيتهم يبقى عقله مرتبط بالتفكير النمطي للحكومات، وعدم التفكير خارج الصندوق، لإيجاد حلول اقتصادية وسياسية وأمنية تخرج البلاد من عنق الزجاجة.
وأعطيك مثالاً، عندما كنت رئيساً للحكومة عام 1991، كان إجمالي مخصصات الرواتب التقاعدية لا يتعدى الــ 140 مليون دينار، أما اليوم فهو يتجاوز المليار وثلاث مائة ألف دينار، ولو أن لدينا تخطيط غير نمطي لما سمحنا بحدوث أمر كهذا.