ما الذي يطيل أزمة الشغور الرئاسي؟ أهو تعنّت حلف “حزب الله – ميشال عون” وتمترسه وراء “المرشح الأوحد أو نخرب البلد”؟ لكن لهذا التعنّت أسباباً غير لبنانية – محلية، بل مرتبطة بحسابات ايران في سوريا وبضرورة أن يكون الرئيس (العتيد) متحالفاً موضوعياً مع بشار الاسد ونظامه، وأن يكون الجيش اللبناني بإمرة رئيس وقائد مستعدين للعمل مع الاسد وقوّته. اذاً، فلا جدوى من القول بأن انتخاب الرئيس ينتظر تقارباً بين السعودية وايران،فهذا – متى حصل – لن يعني بأي حال توافقاً على بقاء الاسد، والأكيد أنه لن يزكّي ثنائية الاسد – عون بل سيرجّح “الرئيس التوافقي” في لبنان.
أما بقاء الاسد أو نظامه (أو بعض نظامه) فيتأرجح الآن بين كونه أمراً واقعاً تحتاج اليه القوى الدولية موقتاً في ظروف الحرب على “داعش”، وبين وضع مصيره في مهب الصفقات الدولية – الاقليمية. وبالنسبة الى ايران فإن أي صفقة تضمن “مصالحها” في سوريا لا بدّ من أن تتضمن وجود الاسد، وما اصرارها على زجّ “حزب الله” في القتال السوري إلا لإحكام الربط بين البلدين وتعزيز منطق حماية “مصالحها” فيهما معاً، فإذا اعترفت الولايات المتحدة وروسيا بهذه “المصالح” يصبح الاعتماد على الثنائي الاسد – عون تحصيل حاصل. ولا يستبعد الايرانيون مثل هذا الاعتراف في اطار توافق اميركي – روسي على أن محاربة “داعش” باتت أولوية الأولويات.
بالنسبة الى ايران المنتشية “نووياً” تمثّل صفقة كهذه “سيناريو الأحلام”، أما واقعياً فإنها تحمل في طياتها كل أنواع الاختلالات. وهي قد تراهن في مداعبة انتهازية اميركا وروسيا ومصالحهما، إلا أن ثمة توازنات في المنطقة ولا بدّ من الحفاظ عليها أو مراعاتها. صحيح أن اميركا حالت دائماً دون اسقاط الاسد، وروسيا دعمت دائماً نزوات طهران ودمشق، إلا أنهما عجزتا دائماً عن تسويق نظام الاسد، لإدراكهما استحالة اعادة تأهيله. لكن تصاعد الخطر الارهابي أسعفهما غربياً (وحتى عربياً) في ترويج معادلة “إمّا الاسد أو داعش”. لذلك، هناك الآن، بالفعل، سعيٌ لبلورة فكرة دعم “الحرب على داعش” بمباشرة حل سياسي “بمن حضر” مع طيّ ورقة تنحّي الاسد أو تنحيته، واعتبار أن ذلك “الحل” هو الذي يحدد مصيره. هذا جوهر اقتراحات ستيفان دو ميستورا.
ما علاقة كل ذلك بالشغور الرئاسي في لبنان؟ لا بدّ من أن يُشعل المراهنات. فإذا رجّحت “الصفقة” بقاء الاسد (ولو موقتاً) ستعتبر ايران أن هذا يرجّح كفّة حليفها العماد عون. لكن “الصفقة” ليست بين ايران ونفسها، فللأطراف الاخرى آراؤها أيضاً، وفي أسوأ الاحتمالات لو كانت السعودية موافقة على تسليم أي من البلدين أو كليهما الى ايران لفعلت ذلك منذ زمن.