عروبة الاخباري – خاص – كتب سلطان الحطاب – زرت المغرب ثلاثة مرات كانت قبل الربيع العربي وبعده، وهي زيارات قامت من دعوات رسمية كان آخرها حضور مؤتمر دولي في بلدة الداخلة اقصى الجنوب المغربي ..
وفي كل مرة كنت اشعر بتميز المغرب عن غيره من اقطارنا العربية التي زرتها كلها وكتبت عنها ..
المغرب عميقة الجذور في التاريخ ككيان تاريخي وجغرافي وبشرى وهي لم تنقطع عن امتدادها التاريخي ورسائلها فيه كما انها لم تخضع لهيمنة الدولة العثمانية التي كان لسيطرتها وخاصة على المشرق طابع خاص اتسم بالتخلف ..
وظلت المغرب صاحبة اطلالة على الغرب الاوروبي تفتح نوافذها لهوائه الطلق وتتاثر وتؤثر كما انها تملك منصة على المحيط الاطلسي حيث وقف عقبة بن نافع دون ان يعلم ان وراء المحيط الان اكبر قوة سياسية واقتصادية وعسكرية على الارض وهي الولايات المتحدة ..
ولو علم لمضى ولكنه لم يعلم ولم يمض !!..
ازداد اعجابي بالتجربة المغربية في مجال الحوار السالك الذي افضى الى الاصلاح والمشاركة قبيل الربيع العربي واثنائه وحتى اليوم حين لاقى الملك محمد السادس المغاربة في منتصف الطريق واحس بهم ومشى معهم دون ان يكتشف متاخرا انه عرفهم كما بعض الزعماء الذين ادعو المعرفة والحكمة باثر رجعي اولئك الذين عرفوا متاخرين او بعد فوات الاوان او حيث لا تنفع المعرفة ولا تنجي من طوفان ..
زاد معرفتي بالمغرب وعمقها وحببها لي سفير المغرب الصحافي والاعلامي والمثقف والحزبي النشط لحسن عبدالخالق الذي امضى عدة سنوات في الاردن والتقيته منذ ايامه الاولى وكان قادرا على تقديم صورة موضوعية ومثقفة عن المغرب وتجربته وتحولاته السياسية والاجتماعية وعن عمق ارتباط الاردن والمغرب في سمات مشتركة مازالت بحاجة الى دراسة ..
المغرب في اعتقادي الراسخ بلد مؤسسات والقرار فيه ليس فرديا وان بدى لبعض الناس ممن يعتقدون ان الملكية المغربية هي نفسها في المشرق .. والمؤسسات المغربية تعمل وتدرك حجم الفرق في التعامل ما بين الزعامة السياسية التي يمثلها الملك والزعامة الدينية التي يمثلها الملك ايضا ولذا فان القليلين في المشرق يدركون اهمية ذلك ويدركون ان ذلك جزء من الهوية المغربية وصيانتها والحفاظ عليها وان الملك رمز ذلك وهو رمز وحدة البلاد الجغرافية والحضارية والثقافية فهو يجمع بين المكانتين المدنية والدينية وله لدى المغاربة مكانة مميزة لا تعلوها مكانة ويرون فيه امتداد هويتهم كون النظام المتوارث في الملكية المغربية ضارب الجذور ويمتلك شرعية حية لم تعبر عن نفسها في كتب التاريخ وانما في الواقع وامتدادته ..
حين التقيت رئيس الوزراء عبدالاله بن كيران وهو شخصية كرزماتية مميزة بالمرونة وخفة الدم والنكتة وايضا عمق التعلم الديني والتراثي وكان للسفير حسن عبدالخالق دور في ذلك قابلته في برنامجي التلفزيوني “حوار مع كبار” . ولم يكن التنسيق كافيا للقائه فقد وصلت المغرب لاجد انه ليس لي موعدا جاهزا وقد استضافني السفير الاردني النشط بالمغرب السيد علي الكايد وحين احترت واتصلت بالسفير لحسن في عمان للمساعدة فمكنني من هواتف وزير الاعلام والخارجية ومكتب رئيس الوزراء وحتى الرئيس بن كيران نفسه والذي اتصلت به في يوم عطلة وقلت ان لي موعدا معه فاجاب بالنفي وان لا احد اعلمه بذلك . ولما كنت ادرك ثقافته التراثية والاسلامية العميقة قلت له ..
كما قال احد الخوارج لابن عباس ..” يا ابن عباس: جئنا اليك ونضرب اكباد الابل حتى نسالك في مسالة تفتنا فيها ونجدك تجلس مع ابن ابي ربيعة ..
المقصود ان المحدث الشهير ابن عباس كان يجلس لستمع للشاعر عمر بن ابي ربيعة في ديوان سكينة بنت الحسين بن ابي طالب في المدينة ..
فضحك عبر الهاتف وقال انت تعرف ذلك لكني لا اجلس مع خليع !! واستطيع الان ان اقبل اللقاء .. تعال غدا في العاشرة الى مكتبي في دار الحكومة وساحضر من اجلك . والتقينا .. وكان حوارا عميقا .. سالته عن الاصلاح في المغرب وقال “جئنا من اجل تحسين اوضاع الناس وليس ادخالهم الى الاسلام فهم مسلمون” ..!!!
وكان بذلك يبدي ملاحظاته على اسلاميي الاردن ومصر وطريقتهم التي تستجلب الاستعداء وحذر قائلا.. “تمسكوا بالملك فانه عنوان وحدتكم الوطنية .. نحن نفعل ذلك .. وانا جئت من المعارضة وكنت سجنت .. المصلحة الوطنية تقتضي ذلك .. وبنينا شراكة ( ترويكا في الحكم ) علينا ان نقبل الاخر” ..!!!
اعجبني الرجل واعتبرت ان الحكمة الملكية للملك محمد السادس كانت وراء هذه الهندسة السياسية اذ ان اجندة الاصلاح كانت واضحة وملموسة وذات عديد من النقاط فالاصلاحات الدستورية كانت عميقة وواضحة ولم تكن شكلية وهي محطة مؤشرة باتجاه الملكية الدستورية التي اقترب منها الاصلاح المغربي كثيرا حين ترك رئيس الوزراء منتخبا من اكبر حزب او من ائتلاف حزبي .. كما ان هناك اصلاحات ملموسة اخرى في مجالات التعليم والصحة والفلاحة والعمال والعمل ومرافق اخرى عديدة بعضها جاء استحقاقا للربيع العربي في فصله المغربي وبعضها جاء تطورا وصيرورة ..
اليوم وقد اجتاز المغرب ربيعه وجاء صيف قطف الثمار فان الاصلاحات قامت في بيئة الاستقرار وهذا ما اختلف به المغرب عن كثير من دول الربيع العربي التي غاب استقرارها ولم تنجز الاصلاح فدخلت الى ثورات وحروب طاحنة فالاصلاح نبت للاستقرار في حين ان الثورة قفز في الهواء لا يضمن السلامة منه او فيه ..
ولانني اكتب لمناسبة عيد الجلوس المغربي الذي يصادف اليوم ذكراه السادسة عشرة . فانني اعتقد ان المغرب قطع خطوات واسعة وعميقة على طريق الاصلاح مستفيدا من ظروفة الذاتية ومن الظروف الموضوعية المحيطة ..
وان تجربته الايجابية جديرة بالدراسة والتوقف وان شعاره الاصلاح في ظل الاستقرار جنب المغرب المصاعب والمآسي التي عاشتها اقطار عربية اخرى .. لان الدولة المغربية تعاملت مع الحراك الشعبي بايجابية منذ انطلاقته عام 2007 قبل الربيع العربي ..
لقد عبر المغرب عن خبرته وعن خصوصيته في الممارسة السياسية وهي يتعاطى مع الربيع العربي ويتكيف مع الاصلاحات الجادة وابرزها الدستورية السياسية . ولذا فان الدولة المغربية ظلت تتعامل مع المعارضة بمرونة هي انعكاس للتسامح الاجتماعي المغربي الذي لمسته في الاسواق وفي الشارع ..
فهنيئا للمغرب عيد الجلوس الملكي .. وهنيئا له يومه الوطني وهنيئا للمغاربة تجربتهم وانجازاتهم ..