لا جدال في أن إيران حققت أهدافاً جوهرية من الاتفاق النووي مع الـ(5 + 1) أوجزها فيما يلي: تم الاعتراف لها دولياً بعضويتها في النادي النووي، الاحتفاظ بمنشآتها النووية، رفع العقوبات الاقتصادية، الاعتراف لها بالنفوذ الإستراتيجي في المنطقة، والتطبيع الكامل مع الدول الصناعية، وغير ذلك من المزايا في الأجل الطويل.
(2)
ولا جدال أيضاً في أن الخاسر الأكبر في هذا الاتفاق هي دول مجلس التعاون الخليجي مهما حاول البعض منهم، تبني دبلوماسية الاسترضاء مع إيران.
دول مجلس التعاون الخليجي منشغلة حتى النخاع بخلافات بينية بعضها يرتكز على الغيرة والحسد فيما بينهم، وتنافس غير مبرر في الساحة الدولية وخلافات حول “جماعة الإخوان المسلمين”، البعض صنفها بأنها منظمة إرهابية يجب اجتثاثها، وآخر ينظر خلاف ذلك، ويقول البعض الآخر إن “كل من له بيعة في رقبة المرشد العام للإخوان المسلمين هو المستهدف بالعداء، وآخرون انشغلوا بتعظيم الربح المادي ولو على حساب الوطن، الطائفية في المنطقة تعمق جذورها، بعضهم من له ارتباط مصيري بالخارج، وذلك ما نرفضه جميعنا، والعض الآخر مهمش ولا يتمتع بحقوق المواطنة ويشعر بالحرمان، ومن حق هذا الفريق أن يبحث عمن يحقق له مواطنته ويشركه في الحقوق والواجبات.
السؤال: ماذا فعلت دول مجلس التعاون لهذا النزوع الطائفي المتصاعد والذي لا شك سيؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة؟
يردد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كل مناسبة “الأخطار المحدقة ببعض الدول العربية هي من الداخل وليست خارجية”، يجب أن نعترف بأن في هذا القول الكثير من الصحة، وعلينا، شعبا وحكومات في دول الخليج العربية، أن نجد في إصلاح ذاتنا داخليا، أولا بالامتناع عن التشدد الديني، وبناء جيوش وطنية مبنية على العلم قادرة على امتصاص البطالة المقنعة منها والسافرة، وبذلك نجفف موارد الإرهاب البشرية في مجتمعاتنا.
يقول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط إن دول الخليج تنفق سنويا 130 مليار دولار على التسلح. والسؤال المطروح: هل هذه الأسلحة نوعية متقدمة، كالقنابل الفراغية، والصواريخ الموجهة بالرادار والطائرات مثل ف 35، أم أنها أسلحة تقليدية لا تردع عدوا، ولا تشد أزر صديق. العدالة والمساواة بين أفراد الشعب في الحقوق والواجبات هي التي تشد من أزر النظام السياسي وتحقق الأمن والاستقرار، وعلينا نحن أصحاب الرأي ألا نبالغ فيما نريد من حكوماتنا، فالخطر محدق بنا جميعا ولا عاصم لنا، إلا بالوحدة الوطنية. وبذلك لن يكون هناك خطر داخلي كما قال الرئيس باراك أوباما على أوطاننا.
(3)
أريد إثبات القول بأن الغرب كله ليس صديقاً وفياً للعرب رغم كل الادعاءات وإنما صديق مصالح سرعان ما يضحي بصداقاته مع أي دولة عربية في سبيل تحقيق مصالحه المادية والإستراتيجية. لا تريد الدول الغربية الكبرى أن يملك العرب قوة عسكرية أو حتى اقتصادية. في الستينيات من القرن الماضي شنوا أعمالا إرهابية ضد العلماء العرب والأجانب الذين كانوا يعملون معنا في ميدان صناعة السلاح في مصر العزيزة، واغتالوا عددا كبيرا منهم، إما بواسطة الرسائل المفخخة أو الاغتيال، في ثمانينيات القرن الماضي دمروا مفاعل يوليو النووي العراقي المقام للأغراض السلمية، ولم يحتجّ أحد على ما فعلوا بذلك المشروع الذي لم يُثبت أنه لأعمال عسكرية.
في تسعينيات القرن الماضي دمّروا العراق وأعادوه إلى القرن الرابع عشر كما تعهد بذلك جيمس بيكر وزير خارجية أمريكا في حينه، بحجة أنه لديه جيش قوي يعد الرابع على مستوى العالم كما قالوا، وأنه يملك أسلحة دمار شامل وأنه يهدد جيرانه، واحتلوا العراق عام 2003 لأن فرق التفتيش الدولية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية فشلت في الوصول إليها، علما بأنه لا يملك أسلحة دمار شامل رغم كل الأكاذيب التي صدرت عن مسؤولين أمريكيين بمن فيهم كولن باول، الذي أعلن اعتذاره عن أكاذيبه أمام المجلس الدولي.
تحتل إيران اليوم، العراق تحت سمع الولايات المتحدة الأمريكية وبصرها، وكذلك سوريا، واليمن، ولبنان الذي عجز برلمانه أكثر من عام ونيف عن انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية بفعل الفيتو الإيراني عن طريق حزب الله، وتهديد مملكة البحرين ودول خليجية أخرى.
ألم يقل علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني ” إن إيران اليوم أصبحت إمبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، أليس هذا تهديدا صريحا وأعمالا واقعة تهدد الجوار العربي ومنطقة الشرق الأوسط عامة.. وكان العراق في عهد الرئيس صدام حسين قد ارتكب خطأ تاريخيا في جريمة احتلاله الكويت، وقد أخرج منها عن طريق القوة، لكنه لم يحتل أربع عواصم عربية ويهدد باحتلال مكة والمدينة وعواصم عربية أخرى.
إن الاتفاق النووي بين الغرب وإيران لا شك يجعلها إمبراطورية تهدد السلم والأمن الدوليين.
(4)
يطوف وزير الدفاع الأمريكي السيد أشتون كارتر، المنطقة لطمأنة الدول الخليجية، وكذلك إسرائيل، وسيعقبه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، لتأكيد الطمأنة لأهل الخليج عما فعلوا مع إيران، بأنها لن تمس أمنهم وسيادتهم واستقلالهم.
أما الأمن الإسرائيلي فهو مضمون بلا نقاش، لأن الإدارة الأمريكية، وبكل مؤسساتها، حريصة عليه، ومجانا ستوفر لها كل أسلحة الردع المتطورة، أما نحن فسيخبروننا بالموافقة على شراء أسلحة من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، وسيقومون بتدريب كوادر قواتنا المسلحة وسيطلب منا تمويل صناعة بعض الأسلحة المتطورة في أمريكا وشتان بين طمأنة إسرائيل وطمأنتنا نحن العرب.
آخر القول: علينا أن نحسم الحرب في اليمن بأسرع وقت لصالح الشرعية اليمنية، وعلينا أن ننحي خلافاتنا البينية جانباً في الوقت الراهن، وعلينا فوق كل هذا أن تجري حكوماتنا إصلاحات جوهرية كي لا يتهمنا الغرب بالتخلف، وإننا دول نشكل عبئاً على الدول الغربية وأمريكا من أجل حمايتنا، فهل نحن فاعلون؟